علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الحبر الرديء

في عالمنا العربي، أو قُل في منطقة الشرق عامة، يسير بعض المعاملات التجارية وفق الثقة، وهذا البعض قد يصبح هو السائد في التعاملات، وهذا أحياناً قد يغضّ عنه النظر لأنه يعتمد على الصفقات فتكون خسائره محدودة لأن الخسائر تكون محصورة في صفقة أو صفقتين لا أقل ولا أكثر، وهنا تكون إمكانية التعويض أسهل مما لو كان الأمر قائماً على شراكة تجارية تعتمد الثقة في تعاملاتها.
والأديان حثّت على كتابة المداينات، والدين الإسلامي نص على وجوب توثيق التعاملات، ومع ذلك فإن كثيراً من التعاملات العربية تقوم على الثقة في البداية وتنتهي بالخلافات في النهاية.
لذلك أطلق الصينيون مثلاً جميلاً يقولون فيه «الحبر الرديء أفضل من الذاكرة القويةBad ink better than good memory ».
ويقصدون بذلك أن كتابة الاتفاق حتى وإن كان بحبر رديء أفضل من الاعتماد على الذاكرة لأنه إذا نشأ خلاف وهناك اتفاق مكتوب فإنه يصبح مرجعية للأطراف قد يفض الخلاف أو على الأقل يضيّق من فجوته. وغالباً ما يكون عدم التوثيق بين الأقارب مثل الإخوان وأبناء العم نظراً إلى ارتفاع الثقة، وتكون نتيجة هذه الثقة في النهاية هي الخلاف المؤدي إلى التقاطع بين أبناء العم أو الإخوة لدرجة أن أحدهم لا يكلم الآخر.
والمنظمات المهتمة بتنظيم أمور التجار لديها رصدٌ لتجارب تجارية ودراسات جميعها تفضي إلى ضرورة التوثيق، ومع ذلك لا أحد يستمع، بل ويعقدون الندوات بهدف رفع التوعية ويعطون نصائح مهمة مثل عدم النص في العقد الأساسي بين الشركاء على أن يكون أحد الشركاء المدير العام أو المدير التنفيذي لأنه في حالة فصله يجب تغيير العقد لدى الجهات الحكومية الرسمية، وإنما يصدر له قرار من الشركاء بتكليفه بالإدارة وفي حالة نجاحه يستمر التكليف وفي حالة فشله يُلغى التكليف بقرار من الشركاء دون الحاجة إلى تغيير العقد الأساسي للشركة وهذا يكلّف المال والوقت.
ومَن يذهب إلى الغرف التجارية في مدننا العربية يجد كثيراً من النصائح التي تساعده في كتابة عقده، وبكتابة العقد سيكتشف أن الحبر الرديء كان أفضل من الذاكرة القوية. وفي الغرف التجارية الصناعية العربية هناك مراكز متخصصة لرصد تجارب العوائل التجارية، سواء التجارب الناجحة أو الفاشلة، ووجد أن أهم سبب يُفضي إلى حل الشركة وموتها هو عدم التوثيق.