يعرف المهتمون أن كتب الرحالة الأجانب التي اشتملت على ملاحظات ووصف أصحابها الجزيرة العربية، تعتبر من أثرى المصادر عن الحياة السياسية والاجتماعية والدينية بل والبيئية في بلاد العرب.
الرحالة أنواع، لكن غالبهم يأتون لتأدية مهام سياسية محددة، تبليغ رسالة أو إجراء مفاوضة أو استكشاف وضع. ومن هؤلاء مثلا الكابتن الإنجليزي لويس بيلي الذي اخترق نجد ووصل لجوهرتها «الرياض» وقابل الإمام فيصل بن تركي، جدّ الملك عبد العزيز، وقدم وصفاً ممتعاً لرحلته تلك ومجلس الإمام وصفاته، كان ذلك في الأيام الأخيرة من حياة فيصل، حيث توفي بعد رحلة بيلي بقليل وهو كفيف البصر عام 1865.
قبله كان هناك عسكري بريطاني آخر جال الجزيرة العربية من شرقها بالقطيف حتى غربها بينبع، مرورا بالدرعية، بعد أسابيع قليلة من سقوط الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، وتدميرها الوحشي على يد إبراهيم باشا وزبانيته عام 1818. إنه جورج فورستر سادلير، ضابط لفيلق الملكي البريطاني الـ47، ورحلته بصيف عام 1819. كانت الرحلة بتكليف من «حكومة بومباي» البريطانية في الهند، والغرض مقابلة إبراهيم باشا، من أجل: أولا المباركة له بنصره على السعوديين، وثانيا عرض التعاون معه لمحاربة القواسم بالخليج.
كتابه ترجم أكثر من مرة، وكما لاحظ المحقق والأديب السعودي عدنان العوامي كانت ترجمة سادلير حافلة بأخطاء في الأسماء والمواقع. لكن تظل تلك الرحلة من أهم الرحلات المبكرة.
الرجل طالع خراب الدرعية بعد حصوله بقليل وقدم وصفاً مثيراً عن الوضع السياسي والاجتماعي بشرق ووسط وغرب الجزيرة العربية.
من ملاحظاته المثيرة، وهو يصف مقابلته مع الضابط التركي التابع لإبراهيم باشا بحامية الأحساء: «هذا الضابط التركي الذي قابلني كان بعزلة تامة عن آراء الباشا ونياته (إبراهيم باشا) وأعتقد أن ثلاثة أعوام من الخدمة في منطقة مثل هذه البقعة الموحشة تؤدي في النهاية إلى إرهاق ولامبالاة؛ ولذا وجدت الجميع في انتظار أوامر الانسحاب».
ويضيف أيضا: «الوضع السياسي في المنطقة يختلف في الواقع عما تذكره التقارير التي كانت تصل إلينا في بومباي قبل مغادرتي إليها».
هذا الاختلاف في الواقع يكثفّه سادلير بهذه الخلاصة:
«على كل حال، فإن البدو في كل مكان يعتبرون الأتراك دخلاء وينتظرون مغادرتهم في أسرع وقت، بالمقابل يمارس الأتراك أسلوب العنف والأوامر الصارمة مع البدو رغم كره هؤلاء لهذا النوع من المعاملة». (رحلة إلى الجزيرة العربية، جورج ف. سادلير. ترجمة عيسى أمين. سلسلة كتاب البحرين. ص67 و68).
يوميات مثيرة تلك التي دونها الضابط البريطاني سادلير قبل قرنين من الزمان.
8:32 دقيقه
TT
حكايا الماضي: بريطاني يلاحق إبراهيم باشا
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة