جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

الاتزان العقلاني يستحوذ على الأسواق

دعونا نذهب في رحلة عاطفية عبر محطة «بلومبرغ». فقد قضى الكثيرون منا وقتاً طويلاً في تحليل الخطوات التي قد تتخذها الحكومات الأميركية والصينية في الخلاف التجاري بينهما. قد يكون كل ذلك مجرد تكهنات لأننا لا نعرف كيف سينتهي الأمر، ولكن من الممكن تحليل كيف كان رد فعل الأسواق، وقياس الشعور في العمل ما بين المستثمرين، ويبدو أن الأسواق كانت تسير بهدوء شديد.
شهد الأسبوع الماضي فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية، وشهد كذلك انتقام الصين وسلسلة من الاستعدادات الفعلية لشن حرب محتملة مع إيران. لم يكن من المتوقع حدوث أي من ذلك حتى قبل أسبوعين، وكلها أمور سيئة بالنسبة للأسواق والاقتصاد. ومع ذلك، كان رد الفعل هادئاً، على الأقل في الولايات المتحدة وفي سوق الأسهم.
غير أن سوق النقد الأجنبي أظهرت قلقاً ظاهراً. فقد كان سعر صرف الدولار الأسترالي والين الياباني، وسعر «الين التجاري القديم» الذي اقترض الناس بمقتضاه، وكذلك توقفت عائدات الأصول الأسترالية للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة هناك، جميعها شكلت مقياساً للمخاطرة. فعندما يشعر الناس بالتوتر فإنهم يشترون الين، وعندما يكونون واثقين فإنهم يشترون الدولار الأسترالي.
وفق هذا الإجراء، تبدو سوق العملات في حالة من توتر شديد، على الرغم من أنها لم تكن قلقة في الأيام التي تلت استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في يونيو (حزيران) 2016.
لكن ثمة مؤشراً آخر لقياس الرغبة في المخاطرة، وهو «مؤشر تقلب خيارات بورصة شيكاغو» الذي بقي هادئاً نسبياً خلال الأسبوعين الماضيين.
في السنوات الخمس الماضية، كان الحدث الذي أثار مخاوف السوق الأميركية، بدرجة كبيرة، هو انخفاض قيمة اليوان الصيني المفاجئ عام 2015؛ تعتبر تلك الفترة من التوتر التجاري الصيني التي خفت بالفعل أقل إثارة للقلق. وتجدر الإشارة إلى أن استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة في عام 2016، التي قوبلت باستنكار على نطاق واسع، لما سببته من صدمة، قد قوبلت كذلك بترحاب، لكن بهدوء نسبي.
لو أننا نظرنا إلى سوق الأسهم الأميركية، فلن نجد ما يشير إلى أن المخاوف التجارية تدفع المستثمرين إلى التحرك، حيث تظهر أسهم «ستاندرد آند بورز 500» الأكثر اعتماداً على العائدات الأجنبية، مقارنة بتلك الأكثر اعتماداً على العائدات المحلية منذ انتخابات عام 2016، كان هناك انتزاع فوري بعد الانتخابات لشركات السلامة المحلية التي ترتكز على الأمن، ولكن منذ ذلك الحين بات المصدرون يتحكمون في القمة. صحيح أن المصدرين باعوا بكميات أكبر، الأسبوع الماضي، لكن ذلك ليس سوى تصحيح بسيط للأداء القوي نسبياً.
إن البحث عن الاستراتيجيات الفاعلة لا يعطي أي شعور بأن هناك خوفاً كبيراً بين المستثمرين. حيث تشتري استراتيجيات الحد الأدنى للتقلب أسهماً مخفضة التقلب نسبياً، التي تميل إلى التفوق في أوقات التوتر. كانت هذه الاستراتيجية شائعة بين بائعي الصناديق المتداولة في البورصة في السنوات الأخيرة، لكنها لم تحقق أداءً جيداً مؤخراً.
شهد إفلاس «بنك ليمان»، واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قفزات كبيرة في أسهم الحد الأدنى من التقلبات. كانت مكاسب هذه الأسهم خلال الأيام القليلة الماضية صغيرة بالمقارنة بغيرها.
بالطبع يمكننا النظر إلى المقياس الكلاسيكي للمخاطر، وهو سعر الذهب. فبقسمة مؤشر «S&P 500» على سعر الذهب للحصول على سعر فعّال لـ«S&P 500» بمقياس الذهب، غالباً ما يكون أداء سوق الأسهم قوياً. لكن مرة أخرى، يبدو أن عمليات البيع الأخيرة ضعفت عندما تم تقييمها وفق الذهب. بناء على هذه الطريقة، فإن الأسهم تخضع لسيطرة الرئيس دونالد ترمب، حتى لو بقيت دون المستوى الذي سجلته في الخريف الماضي قبل القلق بشأن إنشاء بنك الاحتياطي الفيدرالي المتشدد.
الحرب التجارية هي في المقام الأول قضية ثنائية، وهي قضية من شأنها أن ترفع أسعار المستهلكين، وتدمر آفاق المصدرين في الولايات المتحدة والصين. لكن الخلاف التجاري بالكاد قلل من الأداء المتفوق المتواصل من قبل الولايات المتحدة مقارنة ببقية العالم منذ عام 2016.
ترتبط الكثير من تلك الأمور بوادي السيليكون، وبالهيمنة الأميركية على قطاع التكنولوجيا. فقد تفوق قطاع التقنية «S&P 50» بشكل كبير على مؤشر «MSCI» لجميع أسواق الأوراق المالية في العالم خارج الولايات المتحدة منذ الانتخابات، وقد حافظ ذلك على انخفاض بسيط في الأيام القليلة الماضية. وفي الوقت نفسه، كانت بقية مؤشر «S&P 500» مقارنة ببقية دول العالم، أقل تأثيراً، لكن لم تخضع لأي تصحيح على الإطلاق خلال الحرائق التجارية.
ثمة سوق أخرى يمكن اعتبارها مقياساً للثقة في الاقتصاد، وهي السندات. فغالباً ما يشير انخفاض عائدات السندات إلى تراجع الثقة في الاقتصاد. فقد اقتربت عائدات السندات في الولايات المتحدة من أدنى مستوياتها منذ عام 2016. وفي ألمانيا، عاد العائد على السندات ذات العشر سنوات إلى السالب مجدداً. يبدو أن ذلك يشير إلى مخاوف كبيرة، وإلى الاتجاه نحو عنصر الأمان. لكن إذا نظرنا إلى مؤشرات مزاجية أخرى، وإلى ما يشغل المستثمرين، فإن هذا الانخفاض في عائدات السندات يبدو مختلفاً عن ذلك الذي حدث من قبل.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»