د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

ازدهار الاقتصاد الأميركي

أيام وردية يشهدها الاقتصاد الأميركي بعد إعلان أرقام معدل البطالة قبل أيام عدة، وانخفضت نسبة البطالة لتصل إلى 3.6 في المائة، وهي أقل نسبة منذ 1969 حين كانت نسبة البطالة 3.5 في المائة. وقد سبق لهذه النسبة الوصول إلى 10 في المائة في عام 2009. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن - وعلى امتداد 106 شهور - استمرت السوق الأميركية بعرض وظائف بلغ معدلها 200 ألف وظيفة شهرياً.
وشهد شهر أبريل (نيسان) الماضي لوحده، دخول أكثر من 263 ألف موظف إلى سوق العمل الأميركية، بعد أن كان يتوقع ألا يزيد هذا الرقم على 190 ألفاً. وبسبب زيادة الطلب على الوظائف، ارتفعت الأجور بنسبة 3.2 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، وهو أعلى من نسبة التضخم البالغة 1.9 في المائة.
هذه هي أرقام الاقتصاد في الولايات المتحدة، وهي أرقام مبهرة بلا شك، إلا أن ما يستغرب هو حالة التعافي المستمرة لمدة قاربت على 10 سنوات (وهو الرقم القياسي بين عامي 1991 و2001)، وقد كان لذلك الاستمرار في التعافي مبرره حينها، وهو نمو السوق بسبب ظهور الإنترنت.
ووجه التعجب هنا هو إسقاط مدة التعافي هذه على نظريات الدورات الاقتصادية ودورات الأعمال. وتنص نظرية دورة الأعمال ببساطة على الآتي: كلما طالت حالة التعافي الاقتصادي، كلما زادت الوظائف، وانخفضت نسبة البطالة، وحين يصبح الجميع موظفين، فإن أرباب الأعمال يضطرون لزيادة الأجور حتى يتمكنوا من الحصول على موظفين في سوق تقل فيها العاطلون.
زيادة الأجور هذه تتسبب في أمرين؛ أولهما هو زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، بسبب حالة الرفاهية لدى المواطنين، وثانيها هو ارتفاع نسبة التضخم بسبب زيادة الأجور ونقصان السلع. كل هذا يضطر البنوك المركزية إلى رفع سعر الفائدة حتى يخفف من اندفاع التضخم، وهو الأمر الذي يبطئ من نمو الاقتصاد، ليصل إلى نمو صحي.
وما حدث في الولايات المتحدة أن البنك الفيدرالي (المركزي) رفع سعر الفائدة العام الماضي، إلا أن هذا الرفع لم يوقف عجلة النمو، واستمر النمو في الوظائف، ليصل إلى معدل قياسي منذ أكثر من 49 سنة. ومنذ ذلك الحين لم يغير البنك الفيدرالي سعر الفائدة، وهو ما يناقش اليوم في الاقتصاد الأميركي، حيث يطالب الرئيس ترمب، البنك الفيدرالي، بخفض سعر الفائدة 1 في المائة، حتى لا يكبح جماح الاقتصاد الأميركي. ويبلغ معدل الزيادة السنوية في الناتج القومي الأميركي 2 في المائة، ويرى الرئيس الأميركي أن هذه النسبة يجب أن تكون 3 في المائة، كما كانت قبل الثمانينيات من القرن الماضي الميلادي. وبينما يكون رفع سعر الفائدة بهدف خفض التضخم، يرى الرئيس ترمب أن التضخم ليس مشكلة في الوقت الحالي، وفي حال أصبح مشكلة، فإن للبنك الفيدرالي رفع سعر الفائدة حينها. ويفاخر الرئيس الأميركي بالازدهار الاقتصادي الذي وصلت له الولايات المتحدة، اليوم، موضحاً، وبشكل علني، أهمية قراره بالإعفاء الضريبي للشركات الأميركية، والتي بسببه عادت الكثير منها من هجرتها خارجاً إلى الولايات المتحدة مجدداً.
في المقابل، فإن الديمقراطيين يؤمنون أن ما يحدث في السوق الأميركية هو امتداد لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما، وأن ترمب لم يكن له دور إلا في آخر سنتين مقابل 7 سنوات للرئيس السابق. وأن ما يفعله الرئيس الأميركي اليوم سيزيد من حدة الكساد الاقتصادي في حال حدوثه، خصوصاً أنه يعوض العجز الذي سببه الإعفاء الضريبي في الميزانية بإصدار سندات تغرق الولايات المتحدة بالمزيد من الدين العام. ووضح أكثر من اقتصادي أن الولايات المتحدة بحلول منتصف عام 2020 سوف تكون معرضة لكساد اقتصادي يفرضه النمو السريع في الاقتصاد، إضافة إلى تراكم الديون عليه.
إن الاقتصاد الأميركي الآن يمر بمرحلة مميزة، والأشهر الباقية من عام 2019 قد تدخل الولايات المتحدة في ازدهار اقتصادي لم تصله الولايات المتحدة في تاريخها، ويتوقع أن يستمر ازدهار الاقتصاد حتى شهر 7 من عام 2019 على الأقل، والتوقعات الاقتصادية بحدوث الكساد في عام 2020 سبقتها توقعات مماثلة في العام الماضي، حيث توقع الكثيرون حينها أن تأثير تخفيض الضرائب سوف يستمر لأشهر قليلة يعود بعدها الاقتصاد لما كان عليه. ويبقى المثير للقلق في الاقتصاد الأميركي هو حالة التذبذب التي وصل لها، التي تعبر عنها سوق المال الأميركية التي أصبحت تذبذبها أمراً عادياً في الأشهر الأخيرة.