د. محمد مبارك جمعة
كاتب بحرينيّ وعضو هيئة التدريس في جامعة البحرين. متخصص في الدراسات التطبيقية الإنجليزية، وباحث في الشؤون السياسية.
TT

إيران.. غزل واختراقات

أعلنت مملكة البحرين في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إحباط أربع عمليات إرهابية كان من بينها محاولة لتهريب عدد من المطلوبين والمحكومين في قضايا شغب وتخريب وإرهاب، والأخرى محاولة إدخال أسلحة ومعدات عسكرية ومواد متفجرة تمثلت في عجائن مادة «سي 4» شديدة الانفجار، وقنابل يدوية وأخرى مضادة للأفراد وكمية كبيرة من الذخيرة. وقد عرضت وزارة الداخلية البحرينية تسجيل فيديو مثيرا يعرض عملية الملاحقة التي نفذها جهاز خفر السواحل البحريني مدعوما بالطيران في المياه الإقليمية للبحرين، وانتهت هذه الملاحقة بمحاصرة القاربين المستخدمين والقبض على من عليهما.
هذا التطور الخطير يعد تحولا نوعيا في العمليات التي تعرضت لها البحرين بدعم خارجي وتنفيذ عناصر منتمية إلى بعض الجماعات الشيعية في البلاد، والمتخفية تحت غطاء السلمية والمطالب العادلة والدولة المدنية. وقد حصلت الجهات الأمنية البحرينية على دلائل مباشرة تكشف عن الجهات الخارجية الداعمة لهذه الأعمال، وهو ما أثار موجة من التخوفات، ليس لدى دول الخليج فقط، بل وفي عدد من العواصم الغربية، بحسب ما أوردته شبكة «بي بي سي» على لسان مراسلها فرانك غاردنر.
في لقاء جمع عددا من الإعلاميين في البحرين، وكنت أحد الحاضرين فيه، وذلك قبل ساعات قليلة من إعلان الأجهزة الأمنية البحرينية إفشال العمليات الإرهابية الأربع، قال رئيس مجلس وزراء البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، إن دولا عربية كانت في مرحلة من المراحل تحمي الخليج العربي من دون مقابل، أما اليوم فإن هذه الدول، بفعل ما تعرضت له من غزو وتدمير، أصبحت تصدر إلينا القنابل والمتفجرات. وقد كشفت الأجهزة الأمنية البحرينية في أعقاب ذلك عن أن القارب المحمل بالمتفجرات والأسلحة إلى البحرين كان قد انطلق في الأساس من العراق.
كانت إيران قد أعلنت منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، وعلى لسان الرئيس الجديد حسن روحاني، أنها تريد الانفتاح على جيرانها وتحسين علاقاتها بالمجتمع الدولي وتهدئة المخاوف الناجمة عن مضيها في البرنامج النووي. كما صدرت عن إيران تصريحات خاصة برغبتها في علاقات طيبة بدول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها الإمارات والمملكة العربية السعودية. ولم يمض على هذه التصريحات وقت طويل حتى أعلنت النيابة العامة البحرينية ضلوع إيران في المحاولات الإرهابية الأربع التي أفشلتها الأجهزة الأمنية البحرينية.
وهذا يعني باختصار أن إيران ليست ملتزمة ولا معنية بما يصدر عنها من تصريحات، وليست جادة في السعي لعلاقات أفضل بدول مجلس التعاون الخليجي، وأن ما يصدر من تصريحات رسمية إيرانية حول التقارب مع دول الخليج لا علاقة له بما يجري تنفيذه على أرض الواقع. لقد كان من الممكن أن يتسبب دخول هذه الكميات من الأسلحة والمتفجرات في دمار هائل وخسائر بشرية ومادية فادحة كفيلة بأن توتر الأوضاع في بعض دول مجلس التعاون الخليج وتؤسس لمرحلة من الانفلات في المواقف السياسية وردود الفعل. بمعنى آخر، لم يعد بالإمكان الوثوق بأي تصريحات ناعمة تصدر عن إيران تجاه دول الخليج، فمحاولة تنفيذ عمليات إرهابية وتفجيرات في البحرين هي بمثابة محاولة الاعتداء على جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بل ولعب بالتصريحات التي تغازل بعض دول الخليج من جهة، في حين يعمل الحرس الثوري الإيراني على تدريب عناصر منتمية إلى «ولاية الفقيه» لضرب دولة في الخليج من جهة أخرى.
إن اليقظة والانتباه لدى الأجهزة الأمنية البحرينية حالت دون نجاح هذه العمليات الأربع في الوقت الحالي، كما أن مهارة رجال جهاز خفر سواحل البحرين أدت إلى القبض على العناصر المشاركة في محاولة تنفيذ هذه العمليات من البحرينيين والجنسيات الأخرى. إلا أن التجارب علمتنا أنه مهما كانت اليقظة الأمنية حاضرة وقوية، فإن الاختراقات تظل ممكنة وواردة، ومع حدوث اختراق واحد فقط قد يتغير المشهد في المنطقة بأكملها، وبشكل جذري.