جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الجيش الليبي ودخول طرابلس

أياً كان المنظور الذي تنظر من خلاله، فإن ليبيا يجب ألا تكون سوى دولة ناجحة وثرية. فشريطها الساحلي على البحر المتوسط غني بالموانئ المهمة وبالبنية التحتية، واحتياطها النفطي يعتبر الأكبر في أفريقيا وضمن أكبر 10 دول في العالم. والشعب الليبي متعلم نسبياً ولا يتعدى عدده ستة ملايين نسمة، ويحتل موقعاً جغرافي قريب من أوروبا.
لكن البلاد سقطت في هوة عميقة من الفوضى منذ مقتل العقيد معمر القذافي عام 2011.
لكن الآن انجرفت البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد بين الحكومة في طرابلس التي تدعمها الأمم المتحدة، وقوات الجنرال خليفة حفتر التي تتقدم صوب العاصمة طرابلس. لكن لا تراهنوا ضد حفتر، فقد توليت قيادة قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا عام 2011، بناء على طلب من الأمم المتحدة لمنع القذافي من قتل المزيد من أبناء شعبه، وقابلت حفتر، وهو شخصية كاريزماتية صاحب تاريخ وخلفية عسكرية رائعة.
كان حفتر ضابطاً في جيش القذافي لكنه انقلب على الديكتاتور وفي النهاية لجأ إلى الولايات المتحدة حيث عاش هناك قرابة العقدين.
يتحدث القائد العسكري اللغات الإيطالية، والإنجليزية، والروسية بالإضافة الى العربية. وبعد تدخل حلف الناتو عاد حفتر إلى ليبيا وعمل على تعزيز سلطة الجيش في شرق البلاد، وتمكن في النهاية من دخول مدينة بنغازي الساحلية.
يحظى القائد العسكري بدعم بعض الدول العربية. كما تلقى حفتر أيضاً مساعدات من دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، وعلى الرغم من وعكة صحية ألمت به مؤخراً تلقى على إثرها العلاج في مستشفى فرنسي، فإنه لا يزال يبدو مفعماً بالحيوية والرغبة في مواصلة تعزيز البلاد تحت قيادته.
غير أن هناك أربع مشكلات رئيسية تعتبر الأهم بين كل ما تعاني منه ليبيا. المشكلة الأولى هي النظام المعقد الذي يحكم التحالفات القبلية الذي تمكن الدكتاتور القذافي من إخضاعها لسطوته بأساليب قمعية. وفيما لا يختلف كثيراً عن انقسام يوغسلافيا في تسعينات القرن الماضي، وما نتج عنه من حروب مزقت البلقان، فها هي ليبيا ما بعد القذافي تعاني نفس مرارة العنف الناتج عن الصراعات القبلية.
المشكلة الثانية هي ظهور المنظمات الإرهابية وسط الفوضى السائدة، ومن أهمها تنظيما القاعدة وداعش، وكلاهما يعنيه استمرار حالة عدم استقرار ليبيا لاستخدامها كقاعدة للتسلل الى أوروبا عبر المساحة البحرية الضيقة التي تفصلها عن إيطاليا.
المشكلة الثالثة هي تدفق اللاجئين من البلاد التي مزقتها الحرب. فاللاجئون بعشرات الآلاف ممن يأتون من الصحراء الكبرى بعد أن تمكنوا من الوصول الى الموانئ الليبية على أمل الهجرة الى أوروبا، ومنها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. وليس سراً أن بينهم العديد من المتطرفين والمنتمين الى تنظيم داعش.
أخيراً، بحسب محللين، فإن روسيا تبذل جهوداً كبيرة لتعزيز نفوذها هناك. فروسيا طالما تمتعت بعلاقات وطيدة مع القذافي، وتأمل في تحقيق منافع اقتصادية بدعمها لقوات حفتر. وعلى الرغم من التقارير المبالغة التي تقول إن حفتر هو رجل روسيا في ليبيا، فإن تنامي الوجود الروسي في ليبيا يعد مصدر قلق مشروع.
يرى أغلب المراقبين أن الولايات المتحدة تحظى بدور محدود حتى ولو كان حفتر مواطناً أميركياً ليبياً مزدوجاً، ويعيش أبناؤه في الولايات المتحدة. فمنذ اللحظة التي انتهت فيها حملة حلف الناتو في ليبيا، سجل التاريخ العسكري أنها المرة الأولى التي يعلن فيها عن نهاية صراع عبر موقع تويتر. فقد كان من الواضح أن الولايات المتحدة لا تتطلع الى حصة من إعادة إعمار ليبيا، حيث استشعرت أن هذا دور يجب أن يضطلع به الأوروبيون.
قد يكون ذلك النهج مبرراً من الناحية السياسية، لكن الأوروبيين فشلوا في تقديم الدعم الاقتصادي وفي عمليات إعادة البناء، وفي المساعدة في مكافحة الإرهاب للوصول الى هدنة عن طريق التفاوض. لكن حفتر، ومن معه يستطيع أن يملأ هذا الفراغ. لكن احتمالات اتجاه ليبيا الى المزيد من العنف، باتت في ازدياد.
ورغم المكاسب التي حصل عليها حفتر مؤخراً، فإن تحقيق أي طرف لنصر يبدو أمراً مستبعداً. فالمطلوب هنا هو البحث عن سبل دبلوماسية رفيعة المستوى تشمل مصادقة الأمين العام للأمم المتحدة على مفاوضات الاتحاد الأوروبي. فكما وفر مجلس الأمن الدولي المظلة الشرعية للتدخل العسكري في ليبيا عام 2011، فإنه بمقدور المجلس ذاته توفير المظلة الشرعية أيضا لبدء حوار لوضع نهاية للحرب الدائرة هناك، وتستطيع الولايات المتحدة التأثير في ذلك لإقناع حفتر بالجلوس على طاولة المفاوضات.
سيكون الهدف هو إقناع الطرفين للدخول في مفاوضات لاقتسام السلطة على غرار ما حدث لإنهاء الصراع في كولومبيا، والتي تمت بعد أن ضمن المتمردون مقاعد في البرلمان (ونفس النهج يمكن اتباعه لإنهاء الصراع الذي دام 18 عاماً في أفغانستان).
إن حفتر فطن بما يكفي لفهم أن التسوية عن طريق المفاوضات هي السبيل الوحيد الى الأمام، وأن تقدمه صوب العاصمة طرابلس ربما يعطيه قوة أكبر، ويمثل ورقة ضغط في يده خلال المفاوضات، وأتمنى أن يحدث ذلك قريباً.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»