صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

مؤتمر «جنيف 2».. جريمة العصر إذا انعقد بالإملاءات الروسية!

المفترض أن يبادر مؤتمر «جنيف 2» هذا إن هو انعقد في موعده المحدد في الـ22 من الشهر الحالي، وفورا في تطبيق ما تم الاتفاق عليه في «جنيف 1» مما يعني أنه لا ضرورة لأي مفاوضات بين ممثلي نظام بشار الأسد وممثلي المعارضة ولا بين الأميركيين والروس ولا بين وفود الدول المشاركة، فالأمور كانت قد أشبعت بحثا ومناورات وألاعيب سياسية خلال «جنيف 1» خلال اللقاءات والمشاورات والاتصالات اللاحقة التي بقيت تتم تحديدا بين روسيا والولايات المتحدة.
لقد نص قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، الذي صوتت عليه كل الدول الدائمة العضوية ومن بينها روسيا والولايات المتحدة بالطبع على «التأييد التام لبيان جنيف المؤرخ في يونيو (حزيران) 2012 الذي يحدد عددا من الخطوات الرئيسة (بالنسبة لحل الأزمة السورية) بدءا بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كل الصلاحيات التنفيذية ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة».
وجاء في هذا القرار نفسه الآنف الذكر: «ويدعو، أي مجلس الأمن، إلى القيام، في أبكر وقت ممكن، بعقد مؤتمر دولي (المقصود جنيف 2) بشأن سوريا من أجل تنفيذ بيان جنيف (المقصود جنيف 1) ويهيب (أي مجلس الأمن الدولي) بجميع الأطراف السورية إلى المشاركة بجدية وعلى نحو بناء في مؤتمر جنيف (المقصود جنيف 2) بشأن سوريا ويشدد على أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلا كاملا وأن تلتزم ببيان جنيف (المقصود جنيف 1) وبتحقيق الاستقرار والمصالحة».
إن هذا هو قرار مجلس الأمن الدولي الذي جرى التصويت عليه من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية ومن بينها بل في مقدمتها روسيا والصين وذلك بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وهذا يعني أنه إذا كان لا بد من نقاش في «جنيف 2» فإن هذا النقاش يجب أن يتركز على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، أي الحكومة الانتقالية، التي لها كامل الصلاحيات التنفيذية تمهيدا لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.
وهذا يعني، بعيدا عن محاولات لي أعناق هذه الحقائق التي يقوم بها النظام السوري وتقوم بها روسيا وأيضا إيران وبتواطؤ أميركي مستغرب ملموس وواضح، أنه لن تكون للرئيس بشار الأسد أي صلاحيات حتى بالنسبة للقوات المسلحة والأجهزة فور تشكيل هذه الهيئة الانتقالية، وأنه لن يكون له أي دور في رسم مستقبل سوريا، وأنه لن يترشح لا لموقع الرئاسة ولا لأي موقع آخر لا في الانتخابات المقبلة إنْ في يوليو (تموز) المقبل وإنْ في أي فترة لاحقة يتم الاتفاق عليها في هذا المؤتمر أي مؤتمر «جنيف 2» الذي من المفترض أن ينعقد في الـ22 من الشهر الحالي والواضح أنه قد لا ينعقد أبدا لا في هذا الموعد ولا في أي موعد آخر.
ولعل ما يشير إلى حقيقة موقف نظام بشار الأسد، المدعوم من قبل روسيا وإيران ودول أخرى من بينها الصين الشعبية، تجاه «جنيف 2»، أن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أدلى أول من أمس الثلاثاء بتصريح قال فيه «بغض النظر عن (جنيف 2) فإن سوريا ستقوم بإجراء حوار داخلي».. أي مع ما يدعى المعارضة الداخلية للاتفاق على بعض الإجراءات «المكياجية» ولتشكيل حكومة جديدة تعطى اسم حكومة الوحدة الوطنية وهي بالتأكيد ستكون في إطار هذا النظام الحالي وستكون محاولة لإعادة إنتاجه ولكنها في كل الأحوال ستكون محاولة فاشلة وإنها ستولد ميتة حتما مثلها مثل محاولات «تزويقية» سابقة.
لقد بات واضحا، إلا بالنسبة لمن يتقصد النظر إلى هذه الأمور الخطيرة من زاوية عين حولاء، أن بشار الأسد، وبخاصة بعد اتفاقية التخلص من أسلحته الكيماوية وبعد تراجع الأميركيين وميوعة مواقف بعض الدول الأوروبية وأيضا بعد الخضات المؤسفة التي ضربت صفوف المعارضة السورية، لم يعد مكترثا باتفاق «جنيف 1» الآنف الذكر ولا بقرار مجلس الأمن الدولي، الذي صوت عليه الروس والصينيون إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأنه لشعوره بالانتصار ولقناعته بأنه استطاع احتواء هذه الأزمة لم يعد على استعداد لتقديم أكثر من بعض التغييرات الشكلية «المكياجية» وأنه لم يعد يفكر ولو مجرد تفكير بالتنحي وإنهاء دوره في مستقبل سوريا.
ثم ورغم تلميحات سابقة لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بإمكانية تخلي بلده عن بشار الأسد وعدم الإصرار على عدم خروجه من مستقبل سوريا فإن الواضح أن روسيا من غير الممكن أن تفرط في هذا النظام إلا بعد ترسيخ نفسها كرقم رئيس في المعادلة الدولية الحالية وإلا بعد ضمان ما تعد مصالح «استراتيجية» في هذا البلد من بينها الاتفاقات الغازية والنفطية الأخيرة ومن بينها أيضا قواعدها العسكرية في منطقة طرطوس التي تعدها أهم قواعد لها في الشرق الأوسط وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
وكذلك فإن هناك أمورا كثيرة، بالإضافة إلى هذه الأمور، يريدها الروس من الأميركيين، من بينها قواعد الصواريخ الأميركية في بعض دول منظومة أوروبا الشرقية السابقة، ولهذا فإنه من غير المتوقع أن تحترم روسيا توقيعها على قرار مجلس الأمن الدولي الآنف الذكر الذي أكد على «التأييد التام» لبيان «جنيف 1» الصادر في يونيو (حزيران) عام 2012 والذي حدد عددا من الخطوات الرئيسة من بينها النص على «إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة» لحل الأزمة السورية وهكذا فإنها، أي روسيا الاتحادية، وبلا أدنى شك ستستمر في محاولات حرف هذا المؤتمر أي مؤتمر «جنيف 2» عن مساره المقرر بالإصرار على أن المعادلة السابقة قد تغيرت وأن الواقع في جبهات القتال قد اختلف وأن الأولوية قد أصبحت ليس تنحية بشار الأسد وإخراجه من مستقبل سوريا وإنما القضاء على الإرهاب الذي غدا يهدد هذا البلد ويهدد المنطقة كلها والشرق الأوسط بأسره.
والمشكلة هنا هي أن تراجع الأميركيين وصل إلى حد أنهم أصبحوا مجرد لعبة في يد روسيا وأنهم باتوا يتصرفون تجاه الأزمة السورية المستفحلة التي لا تزال مفتوحة على شتى الاحتمالات وأخطرها بناء على تعليمات سيرغي لافروف وتوجيهاته، فهم تخلوا عن كل مواقفهم السابقة إنْ تجاه بشار الأسد ونظامه وإنْ تجاه المعارضة السورية التي لم يكتفوا بإيقاف دعمهم لها بل وغدوا لا يراهنون على أي دور فعلي من المفترض أن تلعبه لا في حاضر سوريا ولا في مستقبلها وبالتالي فإنهم، أي الأميركيين، كما يبدو سيؤيدون، في حال انعقاد هذا المؤتمر «جنيف 2»، معادلة «إن الأولوية لم تعد لإزاحة الأسد وإنما للقضاء على الإرهاب، وإن الخيار أصبح: إما الإرهاب وإما بشار الأسد؟!»،
ولهذا فإن مع المعارضة السورية، التي بقيت ما أن تتخلص من مؤامرة سابقة حتى تواجه مؤامرة جديدة، كل الحق في أن تتمسك بكل شروطها السابقة واللاحقة لحضور «جنيف 2» إذن ما الذي من الممكن أن تتوقعه من هذا المؤتمر إنْ هو انعقد على الأرضية التي يريدها الروس ويريدها نظام بشار الأسد وعلى أرضية كل هذا الإعياء الأميركي الذي وصل إلى حدود لا هي معقولة ولا مقبولة؟!
إنه لا ضرورة إطلاقا لهذا المؤتمر «جنيف 2» إذا كان المقصود تحويله إلى مهرجان دولي لترميم شرعية بشار الأسد، بعد كل هذه المذابح والويلات التي ارتكبها وبعد كل هذا الدمار الذي ألحقه بسوريا وبعد تمزيق هذه المنطقة على أسس مذهبية وطائفية دنيئة وخسيسة، إنه من حق المعارضة السورية رفض أن تكون شريكا في مؤامرة دولية على بلدها وعلى الدول العربية كلها وعلى الشرق الأوسط بأسره تقودها روسيا وتشارك فيها إيران ويلعب فيها الأميركيون والأوروبيون، إن هم لم يغيروا مواقفهم في الأيام المتبقية لانعقاد هذا المؤتمر، دور شهود الزور على جريمة هذا العصر الجديدة.