ليونيد بيرشيدسكي
TT

التخلص من الديزل خطر على الكوكب

يمكنك تصنيف التالي تحت بند «نتائج غير متعمدة»، فقد أدت الحملة المناهضة لاستخدام الديزل عام 2016 التي انطلقت عقب اكتشاف تلاعب شركة «فوكس واغن إيه جي» ببرمجيات تحديد نسب عوادم أكسيد النيتروجين إلى زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعد أكثر خطراً على المناخ.
وبحسب تقرير «وكالة البيئة الأوروبية» الأسبوع الحالي، فقد فاقت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من السيارات عام 2017 انبعاثات العام السابق للمرة الأولى منذ عام 2010.
والتفسير البسيط لذلك هو أن فضيحة انبعاثات الديزل، أو ما يطلق عليه «ديزل غيت»، تفجرت عام 2016، وشرعت الجماعات المناصرة للبيئة في مهاجمة ذلك النوع من الوقود، وبدأت الشركات تفكر في منع السيارات التي تستخدمه من السير في شوارعها، وتملك الذعر الأسواق. وفي عام 2017 أقبل المستهلكون على شراء السيارات التي تعمل بالبنزين أكثر من تلك التي تعمل بوقود الديزل، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2009.
لكن المشكلة هي أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن سيارات البنزين كانت أكثر بواقع 10 – 40 في المائة من السيارات التي تعمل بالديزل.
إن عملية المقايضة بين انبعاثات أكاسيد النيتروجين الصادرة عن وقود الديزل، وثاني أكسيد الكربون الصادر عن البنزين، ليست مسألة حسابية لتحديد أيهما أقل ضرراً ليقع عليه الاختيار. ذلك لأن أكاسيد النيتروجين تتسبب في أضرار سريعة وآنية على صحة الإنسان، تتمثل في أمراض تنفسية وسرطان، فيما يعتبر ثاني أكسيد الكربون أخطر، نظراً لما يسببه من تغييرات بيئية.
هناك فوائد صحية لسياسة استبدال السيارات التي تعمل بالديزل بأخرى تعمل بالبنزين، لكنها ستكون على حساب الأجيال القادمة التي سيتعين عليها التعامل مع التأثيرات المتزايدة للتغير البيئي.
كانت الضجة التي تسببت فيها فضحية «فوكس واغن» سبباً في فرض هذه السياسة على الحكومات، سواء التي رحبت بها دول مثل فرنسا والتي قاومتها مثل ألمانيا التي حاربت الحظر الذي فرض على مركبات الديزل.
جاء رد فعل المستهلكين قوياً. في ألمانيا عام 2018 تراجع تسجيل مركبات الديزل بواقع 16.9 في المائة، مقارنة بنسبة 13.2 في المائة العام الذي قبله.
العام الماضي، سجلت مبيعات السيارات الجديدة الهجينة (التي تعمل بالبنزين والكهرباء) في ألمانيا نسبة 3.8 في المائة، فيما سجلت السيارات التي تعمل بالكهرباء فقط نسبة 1 في المائة. لكن هاتين النسبتين مجتمعتين لا تشكلان رقماً كبيراً يمكن أن يؤثر على تسجيل السيارات التي تعمل بالديزل.
يوم الجمعة الماضي، رد «الاتحاد الأوروبي لصناعي السيارات» على النتائج التي توصلت إليها «الوكالة الأوروبية للبيئة» بأن دعا إلى زيادة استثمارات الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي فيما يخص البنية التحتية المطلوبة لشحن السيارات الكهربائية. وأفاد الاتحاد بأن شبكة الشحن في حاجة إلى زيادة أعداد المحطات، بواقع 20 في المائة خلال الاثني عشر عاماً المقبلة حتى تكتمل منظومة الانتقال إلى ذلك النوع من السيارات. وعلى الرغم من المبادرات الخاصة المحدودة لنشر تلك الشبكات، فقد تسببت مشكلات أشبه بمعضلة «البيضة أولاً أم الدجاجة» في تعطيل الخطط، والمعضلة هي أن الناس لن تشتري سيارات كهربائية قبل أن تتأكد من توافر محطات الشحن في كل مكان.
كان لهذا المنحى الواضح تأثيره على الخطط الاستثمارية للحكومات، حيث فضلت الحكومات الأوروبية التخطيط لمبيعات طموحة للسيارات الكهربائية. لكن تقريراً صادراً عن «هيئة المواصلات والبيئة» (جماعة ضغط بيئية) أفاد بأنه من المرجح أن تبيع فرنسا وألمانيا وأستراليا نصف عدد السيارات الكهربائية المستهدفة بحلول عام 2020، وذلك بسبب أوجه القصور التي تشوب البنية التحتية لمحطات شحن السيارات الكهربائية.
لكن يبدو أن حل مشكلة شحن السيارات الكهربائية لا يزال غير قادر على إقناع المستهلكين بالتخلص سريعاً من سياراتهم التي تعمل بالبنزين لاقتناء نظيرتها الكهربائية. كذلك، فإن طول الزمن الذي تستغرقه عملية الشحن، وقصر المدة التي تقطعها السيارة، وارتفاع ثمنها، يجعل غالبية السائقين لا يقبلون عليها. وإلى أن تحل تلك المعضلات، ستستمر حملات مكافحة نوع من الوقود لصالح نوع آخر.
لذلك، أقول إن ما يتعين على الساسة فعله في الوقت الحالي هو تنحية معركة الديزل أم البنزين جانباً، لأن المعايير المحددة لقياساتهما صارمة بما يكفي، وأيضاً التركيز بدلاً من ذلك على تطوير البنية التحتية لمحطات الشحن، وعلى بطاريات السيارات الكهربائية، نظراً لما يتطلبه ذلك من إنفاق أكبر، لكن الانبعاثات ستختفي، ولن يكون هناك جدل ولا غموض بشأنها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»