هال براندز
كاتب رأي من خدمة «بلومبيرغ» وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جونز هوبكنز» الأميركية
TT

أميركا والهيكل الديموغرافي

على الرغم من أن أميركا تحصر تركيزها في الإنفاق العسكري وإجمالي الناتج الداخلي، باعتبارهما مؤشرين على وضع أميركا في مواجهة الصين وروسيا، تظل الحقيقة أن الصورة الديموغرافية العامة للولايات المتحدة تبدو واعدة للغاية، ما دامت البلاد قادرة على اجتياز الأخطار الديموغرافية التي يحملها المستقبل العالمي.
ولأسباب عدة، يمكن القول بأن أبناء البلاد هم أصل قوتها. على سبيل المثال، فإن وجود سكان تنتمي نسبة كبيرة منهم إلى سن العمل يشكل مصدراً لقوة عسكرية. والأهم من ذلك بكثير، أن الهرم السكاني الأميركي شاب نسبياً، ويتميز بالتنامي المستمر، ومستوى جيد من التعليم، ما يعتبر مصدراً ثرياً للإنتاجية الاقتصادية، التي تشكل الأساس الذي تقوم عليه صور النفوذ الدولي الأخرى.
في المقابل، نجد أن الدول صاحبة الهياكل الديموغرافية غير الصحية، ستجد صعوبة أكبر في الحفاظ على قدرتها على المنافسة الاقتصادية، في وقت تنكمش فيه أعداد سكانها، وتتحمل أعداد أقل من العاملين عبء دعم أعداد أكبر من المتقاعدين.
بالنسبة للصين، فإن سياسة الطفل الواحد ستؤدي إلى انكماش مستمر في أعداد السكان لأجيال قادمة، مع تراجع أعداد الصينيين من 1.41 مليار نسمة عام 2017 إلى 1.36 مليار نسمة عام 2050 (تبعاً لتقديرات الأمم المتحدة)، وبعد ذلك ستزداد وتيرة التراجع ليصل عدد السكان إلى مليار نسمة بحلول عام 2100. في تلك الأثناء، ستشهد أعداد الصينيين في سن التقاعد قفزة هائلة، تبعاً للإحصاءات التي جمعها نيكولاس إبرستادت، الباحث لدى «أميركا إنتربرايز إنستيتيوت»، من 135 مليون نسمة عام 2015 إلى ما يقترب من 340 مليون نسمة بحلول عام 2040، في وقت تتراجع فيه أعداد السكان في سن العمل بمقدار 100 مليون تقريباً.
المؤكد أن مثل هذه التحولات الديموغرافية ستخلق ضغوطاً كبرى على الاقتصاد الصيني، مع حدوث ارتفاع شديد في تكلفة دعم كبار السن، وتقلص أعداد العاملين المنتجين.
إزاء ذلك سيصبح أمام الحكومة الصينية موارد أقل للاعتماد عليها في جهود البناء العسكري التي تضطلع بها، وتنفيذ مشروعات جيو - اقتصادية كبرى، مثل مبادرة «الحزام والطريق».
لقد اعتدنا النظر إلى الصين كقوة صاعدة؛ لكن ثمة انحساراً ديموغرافياً تواجهه البلاد، وسيخلف بالتأكيد تداعيات عميقة.
على الجانب الآخر، تواجه روسيا مشكلات ذات طبيعة خاصة. اليوم، يبلغ عدد سكانها نحو 144 مليون نسمة؛ لكن بسبب عوامل متنوعة، فإن سكان البلاد قد تنكمش أعدادهم إلى 119 مليون نسمة بحلول عام 2050. وستتراجع أعداد السكان في سن العمل من 60 في المائة إلى أقل من 50 في المائة من مجمل السكان خلال الفترة ذاتها، الأمر الذي سيفاقم حالة التراجع الاقتصادي التي تعانيها روسيا على المدى الطويل.
في المقابل، تبدو الصورة داخل الولايات المتحدة جيدة، ذلك أنه بفضل معدل مواليد صحي نسبياً، ومستويات مرتفعة من الهجرة، من المتوقع أن تزداد أعداد سكان الولايات المتحدة من 324 مليون نسمة عام 2017 إلى 390 عام 2050. وبحلول عام 2060 سيصبح المجتمع الأميركي أكبر سناً بكثير، وستبلغ نسبة المتقاعدين إلى الأفراد في سن العمل نحو الضعف.
ومثلما خلصت دراسة أجرتها مؤسسة «راند»، فإنه: «فيما عدا حالة حدوث كارثة، يبدو من المحتمل أن تنعم الولايات المتحدة بموارد ديموغرافية واقتصادية، تمكنها من الاستمرار كدولة لا يمكن للعالم الاستغناء عنها، حتى عام 2050 على الأقل».
وإذا تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على مكانتها في مواجهة روسيا والصين على امتداد المستقبل القريب والمتوسط، فإن إمكاناتها على المدى البعيد تبدو واعدة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»