زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الاستثمار في التراث الحضاري

كانت هناك رؤية شاملة للأمير سلطان بن سلمان، عندما كان رئيساً للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ليس فقط من خلال ترميم التراث وإحيائه وبناء المتاحف على مستوى عالمي وتطبيق المتاحف الافتراضية وتشجيع القطاع الخاص لبناء المتاحف النوعية وعودة الآثار المسروقة من الداخل والخارج، إضافة إلى عرض روائع آثار السعودية في معارض أثرية تجوب العالم كله، بل من خلال رؤية أخرى جديدة تقوم على كيفية استثمار الآثار كي تصبح سلعة ذات فائدة ثقافية، وفي الوقت نفسه، تعود بعائد مادي كبير على المملكة العربية السعودية.
ولذلك فقد أقيمت فعالية بعنوان «تراث حي» أثناء الاحتفال باليوم العالمي للتراث الذي يُقام في شهر أبريل (نيسان) من كل عام. وأود أن أوضح أن الاستثمار بدأ بجهود الأمير سلطان بن سلمان للعناية بمواقع الآثار والتراث العمراني وإبرازها من خلال تسجيل كثير من المواقع الأثرية في قائمة التراث العالمي.
والمتحف الوطني بالرياض هو صرح معماري يعرض روائع آثار السعودية، بل وتشير الآثار المعروضة إلى أن المملكة العربية السعودية بدأت تخرج كثيراً من أسرار الماضي بعد الاهتمام الأخير بالآثار، ما جعل كل سعودي يفتخر بتاريخه وعظمة بلاده. وبدأت حركة سياحية داخلية تزداد، ولا سيما في زيارة المواقع الأثرية والمتاحف الحكومية والمتاحف الخاصة النوعية.
وهناك تراث غير مادي سعودي تهتم به منظمة اليونيسكو، موجود على قوائم التراث العالمي؛ مثل المزمار والخط العسيري والصفارة والقهوة العربية والعرضة النجدية. وقد أعجبني وجود مديرة للتراث غير المادي.
وقد سجلوا الخط العسيري خلال 22 شهراً فقط. ومن العجيب أن مدينة الرياض يوجد بها نحو 44 متحفاً خاصاً. وهناك عملية تسويق موجودة بالهيئة للمتاحف الحكومية والخاصة؛ لأنها تعتبر مصدراً مهماً جداً من مصادر العلم والثقافة والترفيه والجذب السياحي.
ويصر الأمير سلطان بن سلمان على ضرورة الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف؛ كي يبرز دور المملكة العربية السعودية في بناء المتاحف والإعلان عن المتاحف الخاصة عالمياً؛ لأن المملكة تعتبر رائدة في مساعدة القطاع الخاص في إنشاء المتاحف النوعية؛ ولذلك يتم عمل برامج تدريب لأن هذه المتاحف تشارك مشاركة فعالة في نشر الوعي الأثري وحفظ التراث للجماهير.
وإذا كانت الهيئة تقوم بإرسال معارض خارجية دون طلب رسوم، عكس ما تقوم به مصر؛ فذلك لأن الهيئة تريد أن تبعث برسالة للعالم كله بأن هناك كنوزاً غير معروفة زارت أميركا وأوروبا تحت اسم «روائع آثار المملكة»، وسوف تُعرض في اليابان وفي متحف الحضارة في مصر. إن هناك ضرورة لتثقيف المواطن السعودي كي يعرف أن آثار بلاده تطوف العالم كله.
وأقول إن استثمار التراث جاء من خلال اهتمام الشعب السعودي ولأول مرة بآثار ما قبل الإسلام، ولن أنسى الطابور المكون من مئات المواطنين الذين كرمهم الأمير سلطان بن سلمان؛ لأنه كان لكل واحد منهم دور مهم جداً في إعادة الآثار الموجودة لديه للهيئة. وهذا أهم استثمار للتراث.
إن المملكة العربية السعودية تسير على الطريق الصحيحة، وتُعد مثالاً يجب الاقتداء به في كل مكان من عالمنا المعاصر.
وأنا واثق بأن الرئيس الحالي للهيْئة، أحمد عقيل الخطيب، يسير على الطريق والرؤية المستقبلية نفسيهما.