علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الغرور الاقتصادي

في عالمنا العربي كان لدينا غروران؛ الغرور الأول سياسي والغرور الثاني اقتصادي، والغرور السياسي نتج عن تحررنا من الاستعمار ووجود قطبية ثنائية تتمثل في الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية فبالغنا في مفهوم السيادة وكانت الثنائية القطبية تتيح شيئاً من حفظ ماء الوجه، إذ كان كل قطب يحافظ على حلفائه ويسمح لهم بهامش منبري يتغنون به، ولكن القرار الاستراتيجي مربوط بالقطب. هذا الغرور السياسي اختفى مع تفكك الاتحاد السوفياتي وأصبح القطب الأوحد يحرّك دول العالم الثالث بتغريدات «تويتر».
للأسف بقي الغرور الاقتصادي مهيمناً على عقليات سياسيينا، وظنوا أن العالم المتقدم يتربص بنا لدخول أسواقنا متى فتحت وظلوا يروجون لشعوبهم أن هذا يمثل استعماراً بثوب جديد يلبس عباءة الاقتصاد، وظل السياسيون يتوقعون أرقاماً كبيرة تزحف إلى الأسواق حال فتحها، ولا أنكر أن نسبة بسيطة من الأموال المتدفقة على العالم العربي قد تأتي لتحقيق مآرب سياسية ولكن جلّها يأتي لتحقيق أهداف اقتصادية.
أسواق الخليج تعد تقدمية مقارنةً ببقية أسواق عالمنا العربي، إذ إنها درجت على فتح أبوابها للمستثمرين بشكل متدرج، وكانت أجرأها إمارة دبي التي فتحت أسواقها مبكراً لتستقطب معظم المستثمرين لا سيما في المجال العقاري، السعودية فتحت أسواقها ولا سيما سوق الأسهم السعودية للاستثمار الأجنبي وظن كثير من المراقبين الاقتصاديين أن الأموال ستتدفق على السعودية بشكل هائل ولكن ما جاء من الأموال للاستثمار في السوق كان دون التوقعات، فعن ماذا يبحث المستثمر الأجنبي؟ المستثمر الأجنبي يبحث عن استقرار سياسي وهو متوفر في دول الخليج، واستقرار تشريعي، وفرصة مغرية للقدوم، فإذا كانت المكررات الربحية عالية فإن المستثمر الأجنبي لن يدخل في الأسواق الخليجية بل سيبحث عن مكررات ربحية متدنية في أسواق أخرى.
أما إذا كان سيستثمر في الصناعة فإن المستثمر الأجنبي سيبحث عن الصناعات الوسيطة ليبدأ مشروعه، وهذا للأسف غير متوفر في العالم العربي، فمثلاً لو أراد مستثمر أجنبي أن يجمّع السيارات في مدينة عربية فإنه لن يجد مصنعاً للإطارات والزجاج وغيره، فإذا كان سيأتي بكل المواد اللازمة للصناعة من الخارج فما فائدة إقامة المصنع؟! أما إذا كان سيقيم مشروعاً زراعياً فإنه سيحتاج إلى الطرق ليتمكن من بيع المحصول بشكل سريع ودون أن يصاب بالتلف أو يوصله إلى الموانئ للتصدير وهذا أيضاً لا يتوفر في العالم العربي بشكل كافٍ.
يجب أن نقتل هذا الغرور الاقتصادي ونحرص على بناء بنية تحتية فعالة وبنية تشريعية قوية لنخلق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي.