د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

التفوق خيار واحد

يروى أن إمبراطوراً في اليابان، كان يلقي بقطعة نقد معدنية قبل كل حرب يوشك أن يخوضها. فإن ظهرت صورة، التفت إلى جنوده وقال: «سننتصر»! وإن جاءت كتابة قال لهم: «سنتعرض للهزيمة». غير أن اللافت، هو حظه الذي لم يكتبه له يوماً أن رأى الحاضرين «كتابة» أو نصاً على تلك القطعة المعدنية، إذ كانت الصورة هي ما تظهر في كل مرة تجرى فيها القرعة. المهم أن الجنود كانوا يقاتلون ببسالة نتيجة لذلك. وكان الإمبراطور يحصد الانتصار تلو الآخر. ولما تقدم به العمر، ودنت ساعة رحيله، هرع إليه أبناؤه وهو يحتضر فقال له أحدهم في ثنايا الحديث: «يا أبتِ، هل يمكن أن تعطيني تلك القطعة المعدنية لأواصل مسيرة انتصاراتك؟».
فأخرج الإمبراطور القطعة المعدنية من جيبه، فأعطاها لابنه. هنا دهش الابن، حينما لاحظ أن كلا الوجهين يظهر «الصورة» المنقوشة نفسها ولا وجود لأي نص على الجانب الآخر! فقال لوالده بدهشة وامتعاض: «لقد خدعت الناس طوال هذه السنوات... ماذا أقول لهم الآن؟ هل كان أبي بطلاً مخادعاً؟». فرد الإمبراطور قائلاً: «لم أخدع أحداً، فهذه هي سنة الحياة، عندما تخوض معركة يبرز أمامك خياران: الأول الانتصار والثاني كذلك. لذا تتحقق الهزيمة عندما تبدأ بالتفكير فيها. أما إذا فكرت بالنصر فحتماً سيكون حليفك لأنك ببساطة أيقنت بحتمية خيار التفوق».
ذكرتني هذه القصة، بالحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله». وهذه النظرة لخيار النجاح أو التقدم أو التفوق أو الإنجاز تميل للتحقق لأنها ترفع المعنويات عالياً. وتنسجم مع طبيعة النفس البشرية. ولذا يصعب أن تسمع مدرباً محترفاً يقول لفريقه: سيهزمكم الفريق الخصم اليوم! والسبب أن التثبيط لا يدخل في قاموس الناجحين.
وقد دللت على هذا المفهوم ثقافات كثيرة من الصين حتى أقاصي أميركا. فيقول الصينيون مثلاً: «في كل مصيبة هناك فرصة». ويقول إيليا أبو ماضي: «كن جميلاً ترى الوجود جميلاً». إذن حسن الأمل وإيجابية نظرتنا للأمور تزينها في نفوسنا وتعلي من همتنا وعزيمتنا. ولذا قيل إن الأمل لا علاقة له بالمنطق. وهذا لا يعني ألا يحسن المرء إعداد العدة لرحلته.
بعبارة أخرى «اعقلها وتوكل». لكن التوكل يجب أن يكون مصحوباً بحسن الظن بمسبب الأسباب سبحانه ثم بأنفسنا وفريق عملنا. فيد واحدة لا تصفق.