فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

دلالات زيارة الأسد إلى نظام الملالي

ما زالت رحلة بشار الأسد المفاجئة إلى طهران وما جرى في خلالها من نقاشات وتوافقات، وما اتخذ فيها من قرارات، تشغل اهتمام كثير من دول وقيادات تتابع علاقات سوريا وإيران، واحتمالاتها القريبة في القضية السورية، والسبب الرئيسي في ذلك، أن لقاءات الرحلة اقتصرت على دائرة محدودة من أربعة أشخاص، هم الثلاثة الأُوَل في قرارات طهران ورابعهم بشار الأسد رأس النظام الحاكم في دمشق، وهي دائرة لم تسرب أي معلومات حول الرحلة باستثناء إشارات ومؤشرات ظهرت هنا وهناك، جرى إدخالها دائرة التحليل والتقدير لمقاربة مجريات ونتائج الرحلة، التي صارت محتوياتها الحقيقية في صندوق الأسرار الكبرى لعلاقات طهران - دمشق.
لقد ركز كثيرون على الإشارات والمؤشرات، التي تم تسريبها في هوامش الرحلة، وللحق فإن قراءة ومتابعة تلك الإشارات والمؤشرات، يحمل تناقضات في دلالاتها. فعلى سبيل المثال، فإن الرحلة حاجة إيرانية بمقدار ما هي حاجة ضرورية لرأس النظام في دمشق، وعليه فقد يكون من الخطأ اعتبارها استدعاء إيرانياً للأسد، كما أن الإسقاط المعلن للقواعد الدبلوماسية المحيطة بالزيارة واللقاءات التي تمت في خلالها، لا يمكن اعتباره مماثلاً لما اعتاد الروس عليه في تعاملهم مع بشار الأسد، الذي لا شك أن كل طرف منهما يتعامل معه من منطلقات وقواعد ومصالح مختلفة.
ورغم ما يمكن أن تحمله الإشارات والمؤشرات من تناقضات في قراءاتها، فإن رحلة الأسد إلى طهران بالغة الأهمية من نقطتين لا شك في قوتهما، الأولى أن الرحلة تأتي في سياق علاقات خاصة جمعت الطرفين، ودمجت مصالحهما وسط لهيب الصراعات السياسية والمسلحة في المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وجعلت من تلك المصالح حلقة، تكاد تكون واحدة ومترابطة في السنوات الثماني الماضية لدرجة من الصعب فيها رؤية نظام طهران خارج وجوده في سوريا، أو رؤية نظام الأسد بعيداً عن علاقاته مع إيران.
إن تعبيرات اندماج نظام الملالي ونظام الأسد، لا تقتصر على علاقاتهما ومصالحهما المشتركة، بل باتت تشمل أيضا نظرة الآخرين لهما والموقف منهما. وأغلبية الشعب الإيراني باتت ترى في نظام الأسد جزءاً من مشكلتها مع سلطة الملالي، وذات الأمر ينطبق على غالبية السوريين بربطهم بين نظام الأسد وإيران في استمرار قتلهم وتشريدهم وغياب أي أفق لحل سياسي للقضية السورية، كما أن دول المنطقة والقريبة منها باتت تربط بين تدهور أوضاع المنطقة واستمرار تحالف نظامي طهران ودمشق، وهو واقع أخذت تفاعلاته تترك أثرها المتزايد في السياسة الأميركية - الأوروبية، بل الأمر يبدو واضحاً في السياسة الروسية، التي تمثل الحليف الأكبر لكل من دمشق وطهران في القضية السورية، وقد صارت أكثر سعياً إلى تقليم وتشذيب وجود إيران وسياستها في سوريا من جهة، وإعادة فك وتركيب نظام الأسد طبقاً لما تراه وترسمه موسكو، والأخيرة في الحالتين، لا تؤخر في استخدام منظم ومدقق لاحتياجات ومطالب إسرائيل في سوريا، سواء ما تعلق منها بإيران وميليشياتها، أو ما يتصل بنظام الأسد.
أما النقطة الثانية في أهمية الرحلة، فتكمن في توقيتها الذي يحمل مؤشرات تصاعد مشاكلهما الداخلية مع انسداد أفق سياساتهما سواء في الموضوع السوري أو في ملفات السياسة الإقليمية المتصلة بطهران ودمشق.
وتزامن توقيت الرحلة مع بلوغ سياسة شريكهما الروسي في سوريا مأزقاً سواء لجهة مسايرة حليفه الإسرائيلي والتواطؤ مع مطالبه وممارساته فيما يتعلق بإيران و«حزب الله» اللبناني، مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، وهو ما يترافق مع مسايرة الروس حليفهم التركي في موضوع إدلب وجوارها، والتي كان نظام الأسد وإيران يرغبان في حسم الوضع فيها، واستعادة سيطرتهما هناك تمهيداً للانتقال لمعالجة الملف الأخير في منطقة شرق الفرات مع الولايات المتحدة، أو عبر حليفها من قوات سوريا الديمقراطية.
وجاء هذا التوقيت مع توجه موسكو نحو حذر مرفق بالتريث والانتظار حيال مواقف دولية وإقليمية آخذة في التغيير نحو تشدد أوضح، ستكون له تداعيات سلبية حيال إيران وميليشياتها في سوريا ونحو نظام الأسد، مما يدفع بموسكو إلى الانتظار، وتمرير الوقت بدل الدخول في تحركات لا جدوى لها مع قوى إقليمية ودولية، وقد يكون المثال الأبرز في هذا الجانب توقف ما بدا وكأنه اتجاه نحو تطبيع العلاقات العربية مع نظام الأسد.
خلاصة الأمر، إن نظامي طهران ودمشق يذهبان إلى مزيد من الظروف الأصعب، ومزيد من العزلة ليس بسبب خلافاتهما مع البلدان الأخرى بما فيها خلافاتهما مع الحليف الروسي، ولا بسبب تشددهما وتطرفهما، بل إضافة إلى ذلك كله عجزهما عن إيجاد مشتركات تكفل لهما معالجة مشاكلهما بالطرق السياسية في المستويات المختلفة من المشاكل الداخلية إلى المشاكل الخارجية، والإصرار على أن القوة وحدها طريقهما لعلاج المشاكل.
وسط ذلك الوضع لا يرى الإيرانيون في نظام الأسد سوى ساحة عليهم التمسك بها لاستكمال عناصر قوتهم، واستمرار خوض صراعاتهم التي لا حدود لها، فيما يرى نظام الأسد، أن طهران هي ملاذه الأخير الذي يضمن له حل كل مشاكله، بل يكفل له الاستمرار في الوجود.