تيريزا رافيل
TT

خطة ماي لـ«بريكست» في قاع الكأس

استمع أحد صحافيي شبكة «آي تي في» بأحد مقاهي بروكسل إلى كبير مفاوضي الـ«بريكست» بالحكومة يتعارض في صراحة وعلانية مع سياسة السيدة تيريزا ماي بشأن الـ«بريكست» على ثلاثة محاور.
وربما أنه قد أسدى خدمة للجميع عندما أوضح بعض الأمور التي طال انتظارها بشأن طريقة تفكير رئيسة الوزراء البريطانية فعلياً حول الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
فلقد رفضت السيدة ماي علناً استبعاد احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ولقد قال السيد روبنز بكل تأكيد إن هذا لن يحدث. وقالت رئيسة الوزراء إن الحكومة لن تسعى لتمديد العملية بموجب المادة 50. وكشف روبنز بأن التمديد «الطويل» هو الخطة الحقيقية المتوقعة إذا ما رفض النواب المشرعون الاتفاق الخاص بها.
ولقد أصرت رئيسة الوزراء على أن الدعم الآيرلندي - والذي قد يساعد على بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الجمركي الأوروبي ما لم يتم العثور على ترتيبات أخرى لإبقاء الحدود الآيرلندية مفتوحة - هو عبارة عن بوليصة تأمين من غير المرجح على الإطلاق الاستفادة منها أو استخدامها. كما تعهدت رئيسة الوزراء بأن المملكة المتحدة سوف تغادر الاتحاد الجمركي حتى تتفرغ للتفاوض بشأن صفقاتها التجارية الخاصة في المستقبل. ووفقاً إلى السيد روبنز، فإن الدعم الآيرلندي كانت متصوراً أن يكون بمثابة جسر للعبور إلى المستقبل وإقامة العلاقات التجارية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي سوف يثير حفيظة وغضب الكثيرين من أنصار الـ«بريكست».
إن كل من تابع السيد روبنز على مدى الـ18 شهراً الماضية سيجد كل ذلك مثيراً للكثير من الفضول. فلقد دفع به أنصار الـ«بريكست» ليكون «الشيطان المعاون» للسيدة ماي، عاقداً العزم على إحباط مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. غير أنه التزم الصمت مترفعاً عن النزاع الدائر، على غرار الموظفين المدنيين غير المعنيين بالشؤون السياسية السائدة. والثرثرة في أحد مقاهي بروكسل هو أمر غير لائق على الإطلاق، والحديث الشامل حول الاستراتيجية الحكومية كان أمراً لا يصدقه عقل، لدرجة أن المرء يميل إلى التساؤل عما إذا كان روبنز يدرك أنه يتحدث وسط حفنة من الرجال المنتبهين.
فإن كانت ثرثرته تعتبر بالفعل انعكاساً حقيقياً لموقف تيريزا ماي، فلقد جلب لنا قدراً هائلاً من الوضوح والاستنارة. يفضل السياسيون لعبة المراوغة كثيراً، وينبغي عليهم في بعض الأحيان التراجع عن مواقفهم المتخذة ثم سداد الثمن لذلك. ولكن هناك خيط رفيع للغاية بين النكوص عن التعهدات السابقة وبين تأكيد الانطباع بالاختلال الشديد أو عدم الأمانة المطلقة. ولقد قطعت السيدة تيريزا ماي، عبر رحلتها خلال الـ«بريكست»، وعوداً وتعهدات متناقضة لكافة الأطراف المعنية بالأمر.
ولقد أصرت على أن المغادرة من دون اتفاق هو من الخيارات المطروحة على الطاولة. وفي واقع الأمر، هذا هو الوضع الافتراضي بموجب القانون البريطاني إن تعذر التوصل تماماً إلى أي اتفاق. غير أن هذا الموقف من جانبها هو موقف للمناورة التكتيكية، والهدف من ورائه هو استمالة أنصار البقاء بتأييد صفقتها. ولكن هذا لا يعتبر تهديداً حقيقياً، إذ إن بريطانيا ليست على استعداد تام للمغادرة من دون اتفاق، وأي حكومة تعتمد مثل هذه السياسة من المرجح أن تفقد ثقة الناخبين فيها لجيل كامل.
فإن فشلت السيدة ماي في الحصول على الموافقة بشأن صفقتها، فإن أفضل بديل أمامها هو تفادي الخروج من دون اتفاق بأي وسيلة من الوسائل. وليس من شأن تمديد المهلة النهائية المقررة في 29 مارس (آذار) أن يحل في حد ذاته أي مشاكل - ولكنه سوف يتيح بعض الوقت لإجراء استفتاء شعبي ثانٍ أو إجراء انتخابات برلمانية أخرى، ولقد رفضت تيريزا ماي كلا السبيلين من قبل.
والسلبيات المتوقعة قيد البروفات الجدية حتى الآن. ولكن ما هو السؤال الذي سوف يُطرح على الناخبين في الاستفتاء؟ ولكن كلا الحلين هو أفضل بالنسبة إلينا من الخروج من دون اتفاق نهائي.
تساعد إفصاحات روبنز على استبعاد جزء آخر من التفكير العاطفي الذي غالباً ما نستمع إليه من أنصار الـ«بريكست»: أن الاتحاد الأوروبي يتراجع دوماً في اللحظات الأخيرة الممكنة، وفي نهاية المطاف، سوف يتخلى عن الدعم الآيرلندي. ألم يتراجع الاتحاد الأوروبي من قبل لأجل التغلب على الاعتراضات الدنماركية على معاهدة ماستريخت، وعلى الرفض الآيرلندي على معاهدة لشبونة، والتهديد باستخدام حق النقض (الفيتو) البلجيكي الإقليمي على الاتفاقية التجارية والاقتصادية الشاملة مع كندا؟
لكن في كل حالة من الحالات المذكورة، كما لاحظ ماثيو بيفينغتون في دراسة لمركز كارنيغي المملكة المتحدة (من الدراسات الموصى بها للغاية فيما يتعلق بكافة جوانب الدعم الآيرلندي)، أن النص الأصلي للاتفاقية لم يُعَد النظر فيه أبداً، وأن الحلول التي تم التوصل إليها كانت متفقة على نحو تام مع النصوص الأصلية. وكل حل من الحلول الوسط (على سبيل المثال، الإحاطة التي توضح أن معاهدة لشبونة لم تؤثر على الحياد العسكري الآيرلندي أو كانت لها صلة تُذكر بملف الضرائب) رسمت حدوداً واضحة بكل بساطة، وقيدت من نطاق الاتفاق الأصلي المبرم. وكانت المعاهدات محل المناقشة قد صودق عليها على نطاق واسع بالفعل من قبل حكومات وبرلمانات البلدان المعنية، مما رفع من قيمة الزخم في هذا الاتجاه.
ويبدو الـ«بريكست» البريطاني مختلفاً اختلافاً كبيراً عن كافة تلك الحالات.
لا يوجد شيء مما تفوه به روبنز يشير إلى أنه يعتقد بأن أنصار الـ«بريكست» سوف يحققون آمالهم بوضع حد زمني للدعم الآيرلندي، ولا يوجد ما يوحي بأن الحكومة البريطانية تطالب بذلك.
إن بريطانيا في حاجة لتجنب المغادرة من دون اتفاق. ويمكنها الاختيار بين الصفقات غير المثالية، أو يمكنها محاولة التمديد ثم التظاهر بوجود حلول أخرى في الأفق، أو محاولة الدفع بالأمر برمته إلى الأمام على طريق الاستفتاء إذا ما قررت نوع السؤال الذي سوف تطرحه على الناخبين. لقد أسدى روبنز خدمة جليلة من خلال إعرابه بوضوح عن كل شيء وبصورة رائعة جداً. وكان من الأفضل لو أن هذا الكلام قد صدر عن السيدة تيريزا ماي من تلقاء نفسها.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»