ستيفن كارتر
TT

«آبل» في مواجهة «فيسبوك»

حمل الأسبوع الماضي تذكيراً مفيداً بحقيقة أن «فيسبوك» ليس مشغولاً بالإبقاء عليك متصلاً بالأصدقاء، مثلما يدعي. لقد اتضح أن «فيسبوك» ينصب تركيزه التجاري على بيع الإعلانات، وهو نشاط تجاري يحتاج إلى الكثير من البيانات، في واقع الأمر.
ولإيجاز القصة سأكتفي بالإشارة إلى أن «آبل» أغلقت، مؤخراً، تطبيقاً بحثياً كان «فيسبوك» قد وزعه على بعض مستخدمي «آيفون» و«آيباد»، وكلفه ما وصل إلى 10 دولارات مقابل تنزيل التطبيق، و20 دولاراً شهرياً مقابل الإبقاء عليه. وقد سمح التطبيق لـ«فيسبوك» بجمع كميات هائلة من البيانات حول المستخدمين. وركزت التقارير الصحافية التي تناولت الأمر على جانب الخصوصية في الخبر، ورسمت صورة الموقف باعتباره مواجهة بين الخير والشر. ومن جديد، جرى تصوير «آبل» باعتبارها بطل حماية المستخدمين، بينما جرى تصوير «فيسبوك» كالعادة باعتباره «البعبع الشرير غير المبالي بخصوصية مستخدميه».
ومع أن هذه الحالة تمثل بوضوح خرقاً جديداً من جانب «فيسبوك» لخصوصية المستخدمين، فإنه من المهم عدم المبالغة في الأمر بأكمله، فهذا الخلاف في جوهره خلاف تعاقدي.
وربما من المهم هنا توفير بعض المعلومات كخلفية. بجانب الخدمات التي تسمح للشركات بتوزيع برامج على المستهلكين في صورة تطبيقات، تعرض «آبل» كذلك أمراً يدعى «برنامج تطوير الشركات»، الذي يوفر شهادة تتيح توزيع تطبيقات على الكثير من مستخدمي «آي أو إس» داخل الشركة، متجاوزين بذلك «آبل ستور». على سبيل المثال، بإمكان الشركة تطوير تطبيق اتصالات من أجل الاستخدام الداخلي، وباستخدام الشهادة تتولى تنزيله على جميع أجهزة «آيفون» و«آيباد» الخاصة بجميع الموظفين. ويمكنها استخدام العملية ذاتها في نسخ من التطبيقات المحتملة مع الباحثين العاملين لديها.
إلا أنه تبعاً لما أفاده «تيك تشرتش»، فإنه منذ عام 2016 استغلت «فيسبوك» الشهادة الخاصة بها في العرض على المستخدمين فرصة المشاركة في «دراسة بحثية سريعة ومدفوعة الأجر عن شبكات التواصل الاجتماعي». واستهدف العرض، الذي ظهر عبر إعلانات في «سناب شات» و«إنستغرام»، الفئة العمرية من المستخدمين بين 13 و35 عاماً، لكنه كان موجهاً بصورة أساسية للفئة العمرية بين 13 و17 عاماً.
من جانبها، كان رد «آبل»، حسبما أفاد «تيك تشرتش»، فورياً وقاسياً، فقد أعلنت الشركة أن «فيسبوك» استغل عضويته في توزيع تطبيق معني بجمع بيانات المستهلكين، ما يشكل خرقاً واضحاً لاتفاقه مع «آبل»: «أي شركة تعمل بمجال التطوير تستغل شهادتها المؤسسية في توزيع تطبيقات على المستهلكين سوف يتم إلغاء شهادتها، وهذا ما فعلناه في هذه الحالة لحماية مستخدمينا وبياناتهم».
وبالتأكيد إلغاء الشهادة ليس بالأمر الهين، فهي تمنح الشركة التي تحصل عليها ترخيصاً بتوزيع تطبيقات على الصعيد الداخلي. ومع إلغاء تفعيل الشهادة، سيتعين على «فيسبوك» إيجاد حل بديل. ومع هذا، دعونا نكون واضحين بخصوص ما شكل «الخرق الواضح» من جانب «فيسبوك»، فالمشكلة هنا ليست جمعه بيانات المستخدمين، وإنما فعله ذلك على نحو ينتهك شروط تعاقد الشهادة. وربما تكون «آبل» صادقة في قلقها على مستخدميها وبياناتهم، لكن هذا الخلاف على وجه التحديد لا يدور حول مسألة جمع «فيسبوك» بيانات تخص المستخدمين، وإنما حول الأسلوب الذي جمع «فيسبوك» من خلاله هذه البيانات. وهذا هو الأمر برمته.
ولا أقصد من ذلك التقليل من خطورة ما فعله «فيسبوك»، لكنه في الوقت ذاته لا يمثل نهاية خصوصية المستخدمين كما نعرفها. ومع أنه ربما لو أن «فيسبوك» أرسل التطبيق عبر القنوات الطبيعية، كانت «آبل» لترفض تماماً هذا الأمر، ورغم أن المستخدمين الذين نزلوا التطبيق سمحوا لـ«فيسبوك» بإمكانية اطلاع استثنائية على نشاطاتهم عبر شبكة الإنترنت، فإنه في الوقت ذاته يبدو أن المستخدمين كانوا مدركين تماماً لما يفعلونه، بل وحصلوا على مقابل مادي له.
وربما لا يبدو مبلغ 20 دولاراً شهرياً بالمبلغ الكبير، لكن عليك عزيزي القارئ تخيل أن «فيسبوك» وعدت بدلاً من ذلك بتوصيلة واحدة مجانية عبر «أوبر» شهرياً أو اشتراك شهري لدى صحيفة «ذي نيويورك تايمز». في الواقع، يبدو أن مبلغ الـ20 دولاراً قادر على شراء الكثير.
وأؤكد أن هذا ليس دفاعاً عن «فيسبوك» وخرقه الواضح لاتفاقه مع «آبل»، لكنني أشير إلى أن المستخدمين الذين سمحوا لـ«فيسبوك» بتنزيل التطبيق عبر أجهزة «آيفون» الخاصة بهم لم يتعرضوا بالضرورة للاستغلال.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»