جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

السياحة تبدأ من الداخل

السفر جميل ومتعب في نفس الوقت، وذلك لأننا في الكثير من الأحيان نبحث في أسفارنا عن الأماكن الجديدة والبعيدة، غير آبهين بالمدينة التي نعيش فيها، لدرجة أننا في الكثير من الأحيان نصاب بنوع من العمى السياحي في البلدان والمدن التي نعيش فيها. فمن يعيش في مصر تغفل عنه عدة أماكن سياحية، ومن يعيش في لبنان تغيب عنه عدة معالم من شأنها أن تسحر عين وقلب السائح الآتي من أقاصي العالم. ونفس الشيء ينطبق علينا نحن العرب المقيمين في لندن، التي تعتبر من أشهر العواصم السياحية في العالم، وتستقبل ملايين السياح سنويا، ولكن إذا سألت عربيا يعيش في لندن قد تفاجأ بقلة معرفته بالأماكن السياحية التي يجدر به زيارتها.
الأسبوع الماضي احتفلنا بأعياد الميلاد واستقبلنا عاما جديدا، ففكرت بالبقاء في لندن، كيف لا، ويأتي السياح من كل بقاع العالم لمشاهدة الألعاب النارية ليلة رأس السنة على ضفاف نهر التيمس، المشكلة عندما تعيش في مدينة تألفها لتصبح علاقتك بها، كعلاقة زوجين بعد سنين طويلة من الزواج.
وكان قراري صائبا في البقاء في لندن، والتعرف إليها كما لو أنني لم أعرفها من قبل، تحولت من مقيمة في لندن إلى سائحة في لندن، والفرق شاسع. فعندما تنظر إلى المدينة التي تعيش فيها من منظار السكن والإقامة، تغيب عنك الكثير من الأماكن، فأنت على عجلة من أمرك، في طريقك إلى العمل، إلى الجامعة أو المدرسة... ولكن عندما تتحول إلى سائح ترى الأشياء بعين مختلفة، ترى خبايا المدينة السياحية، تتحول إلى سائح متشوق إلى الانتظار في طابور طويل لزيارة معلم سياحي سمع عنه من صديق أو قرأ عنه في صحيفة أو مجلة.
فبعد أسبوع من السياحة الداخلية المكثفة، يمكنني الجزم بأنه من المحزن أن تعيش في مدينة ولا تتعرف إليها من وجهة نظر «السائح»، فبدلا من حزم الحقائب والتوجه إلى المطار يمكنك أن تتوجه إلى أحد الفنادق، وحجز الكثير من المعالم السياحية والمطاعم والمسارح مسبقا، فيكفي أن تبدأ يومك برحلة مشي على الأقدام وتناول الفطور في مكان مثل «ذا وولزلي» الشهير، وتناول الشاي الإنجليزي التقليدي بعد الظهر في أحد فنادق المدينة، والتوجه إلى «الشارد» أعلى مبنى في أوروبا لتشاهد روعة المدينة الهندسية، وبعدها تتوجه إلى أحد المسارح لمشاهدة روعة فنية حقيقية يقطع السياح آلاف الأميال لمشاهدة واحدة منها. أما بالنسبة للأكل، فحدث ولا حرج، فلندن تزخر بأكثر من 350 مطبخا إثنيا. أما فيما يتعلق باحتفالات رأس السنة فكانت أكثر من رائعة ولم يأبه أكثر من 250 ألف شخص للمطر، فاصطفوا على ضفاف النهر لرؤية الألعاب النارية «الصالحة للأكل»، نعم صالحة للأكل فهذا العام تم تطوير الألعاب النارية لتنبعث منها قطع صغيرة إذا حالفك الحظ ووقعت بالقرب من فمك فيمكنك أكلها بالإضافة إلى فقاقيع أشبه بفقاقيع الصابون صالحة للأكل أيضا..
النشاطات التي يمكن أن تقوم بها في لندن أو أي مدينة تعيش فيها لا يمكن إحصاؤها في سطور، ولكن المشكلة تبقى في فهم وتقدير فلسفة السياحة الداخلية.