داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

تلوث البيئة... «المفلس في القافلة أمين»

لا يزال موضوع التلوث البيئي لا يستهوي كثيراً من القراء العرب، وكذلك تفتقر «ثقافة البيئة» إلى ديناميكية الاستمرار الرسمية والشعبية، فهي موسمية مع المشاريع التي تنفذها الدول العربية. طبعاً هناك مشاريع لمكافحة التلوث، أو على الأصح السيطرة عليه ومنع تفاقمه، تظهر للعيان بين فترة وأخرى في المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، لكنها غير كافية لحماية بيئة الخليج العربي من التلوث بالصناعات النفطية ومخلفاتها. وركز مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر على هذا الموضوع فتبنى تقنيات الطاقة الشمسية وتطوير موارد الحياة وحمايتها من التلوث المستقبلي.
من النادر جداً أن تقرأ أو تسمع أن مجلساً للوزراء في أي حكومة عربية قد بحث في جدول أعماله تلوث البيئة في بلده أو الاحتباس الحراري أو المواد الكيماوية التي تشكل مصدر قلق رئيسياً في مجال الصحة العامة في الدول المتقدمة. وحين بحث مجلس الوزراء اللبناني قبل عامين تفاقم مشكلة القمامة في الشوارع والميادين والمدن والقرى والأنهار والجداول والبساتين والسواحل، صار محل «تندر» الأوساط الثقافية والأرستقراطية! لكنه لقي ترحيباً من اللبنانيين عموماً لأنه بحث، أخيراً، مشكلة صحية خطيرة واستجاب للمظاهرات الجماهيرية التي لم ترفع شعارات «ارحل» أو «يسقط النظام» أو «الإمبريالية والصهيونية والمقاومة والتصدي»، وإنما رفعت شعارات «نظفوا البلد من النفايات» و«نطالب بالأكسجين» و«طِلْعت ريحتكم» و«أنا أتنفس زبالة» و«قرفتونا»! وبدأنا نقرأ أو نسمع عن «نشطاء» للتنديد بتعامل الحكومة السلبي مع أزمة النفايات.
وفي السياق نفسه، نسي المتظاهرون والمحتجون العراقيون قبل أشهر قضايا البطالة والفساد والطائفية ورفعوا شعارات تطالب بتنظيف شارع الرشيد التاريخي في قلب بغداد بعد أن نال نصيباً كبيراً من الإهمال الطائفي المتعمد. أما أهل البصرة جنوب العراق فكانوا يبكون وهم يشاهدون تحول مدينتهم التي كانت توصف بأنها «فينيسيا العراق» إلى «مزبلة» كبيرة ملأت القنوات المائية الراكدة وساحل شط العرب وكورنيش «العشّار» الذي كان أجمل مناطق المدينة.
أما منظمة الصحة العالمية فقد دقّت أجراس الإنذار مراراً بسبب تلوث البيئة وتغير المناخ، وأطلقت تحذيراً خطيراً في مؤتمرها الأول عن تلوث الهواء والصحة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في جنيف، من أن 9 أشخاص من أصل 10 أشخاص يتنفسون هواء ملوثاً بانبعاثات حركة المرور والصناعة والزراعة وحرق النفايات والتدفئة. وتقتل هذه السموم 7 ملايين شخص كل عام في الكرة الأرضية. بل إن الطّامة الكبرى أن تلوث الهواء هو المتسبب في عدد يصل إلى ثلث الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية والسكتات الدماغية وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة. والمأساة في هذه الوفيات، كما تقول منظمة الصحة العالمية، أن معظمها يمكن الوقاية منه بدرجة كبيرة «إذا توفرت إرادة سياسية قوية وتحرك سريع وقدرة على التحمل» لفعل ما هو أفضل ما يجري في الواقع من حلول محدودة.
والمسؤولية الكبرى تتحملها الدول الصناعية الكبرى، وهي حسب التسلسل؛ الصين والولايات المتحدة وروسيا والهند واليابان وألمانيا وكندا وبريطانيا وكوريا الجنوبية وإيران. وهذه الدولة الأخيرة يطلق الباحثون العالميون على ظاهرة التلوث فيها أنها «انتحار جماعي»، حيث يتم ضخ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من المصانع والسيارات في العاصمة طهران المحاطة بالجبال من كل مكان، ما يسبب تشكيل «سحابة» يومية من الدخان في سمائها. والأمر الغريب في هذا الجدول أن الصين التي تتصدره كانت إلى ما قبل أقل من 10 سنوات من الدول «النظيفة»، لكن تركيزها على الصناعات التي تلوث البيئة في كل القطاعات أسهم في تراجعها إلى أن احتلت المركز الأول بين الدول الملوثة.
وذكرت دراسة لموقع «Eco Experts» المتخصص بدراسات البيئة، أن معظم دول الخليج العربي تتصدر قوائم الدول التي تعاني من التلوث، وهو أمر يستدعي من هذه الدول المرفهة أن تبذل جهوداً أكبر للتخلص من هذه المشكلة البيئية عن طريق اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجددة. وهذه الطاقة مستمدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد، أي لا تنفد، ومن بينها الرياح والمياه وأشعة الشمس وحركة الأمواج في البحر والمدّ والجزر والطاقة الحرارية الأرضية.
عموماً، فإن الدول الفقيرة لا تكاد تشعر بهول الكارثة كما يقول المثل العربي: «المفلس في القافلة أمين»، وبينها كينيا وتنزانيا وإثيوبيا وموزمبيق والكاميرون وزامبيا وإندونيسيا وزيمبابوي والكونغو الديمقراطية.
والشيء بالشيء يُذكر، فجامعة الدول العربية، شأنها شأن الحكومات العربية، من النادر أن تجد في جلساتها من يتحدث عن التلوث البيئي. ولم يسبق أن عَقدت أي اجتماع علمي لدراسة هذه الظاهرة القاتلة. وطبعاً الردّ المتوقع لأنها «مشغولة بالقضايا العربية الأهم».
ولتشجيع بحوث البيئة العربية، رصدت السعودية والإمارات جوائز لأفضل البحوث والدراسات العلمية، لكننا نفتقر حتى اليوم إلى وظيفة «باحث بيئي» في مؤسسات الدولة ذات العلاقة. وهي وظيفة أساسية تضفي جدية على البحوث وتدفع في اتجاه افتتاح جامعات أو كليات متخصصة بالجوانب المختلفة للحياة والتلوث، والتواصل مع المعاهد والمراكز والنشاطات الخارجية ذات العلاقة. ومن بشائر الاهتمام العربي استحداث وزارة البيئة والزراعة والمياه في السعودية ووزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات ووزارة دولة لشؤون البيئة في مصر. أما في العراق، فقد أنشأوا وزارة للبيئة ليس لمكافحة التلوث البيئي المستشري في البلاد وإنما لاستكمال ديكور تمثيل كل الأحزاب والطوائف الحكومية، واختاروا لتوليها سيدة باعتبار أن تنظيف المنزل من اختصاصات المرأة!
ونقاء البيئة أو تلوثها لا علاقة له بمدى ثراء البلد أو فقره. والدليل على هذا أن قائمة أكثر الدول تلوثاً تضم من العالم العربي 4 دول غنية؛ هي قطر والإمارات والبحرين والعراق، ثم سوريا الفقيرة ثم مصر.
عالمياً، حسب تقرير أخير لمنظمة الصحة العالمية، فإن باكستان تحتل المركز الأول في التلوث، تليها قطر ثم أفغانستان فبنغلاديش فإيران ثم مصر ومنغوليا والإمارات والهند والبحرين. أما أنظف 10 دول في العالم، وفقاً لمؤشر الأداء البيئي لجامعتي ييل وكولومبيا الأميركيتين لعام 2018، فيضع فنلندا في المركز الأول ثم آيسلندا والسويد والدنمارك وسلوفينيا وإسبانيا والبرتغال وإستونيا ومالطا وفرنسا.
من أصعب الأسئلة في برنامج «من يربح المليون»: ما اسم وزير البيئة في بلدك؟!