كارل سميث
TT

أفضل سياسة اقتصادية للطبقة العاملة

إن ما يهيمن على السياسة الأميركية في الوقت الحالي هو سعي الأميركيين إلى الانتقام نيابة عن الطبقة العاملة. في اليمين، فإن الهدف هو العولمة المتزايدة، وفي اليسار فإن الهدف هو الثروة نفسها.
لكل من المسارين إغراءاته، لكنْ كلاهما هالك لا محالة؛ فقد تسببت خطة إدارة الرئيس ترمب لعزل الولايات المتحدة (بزيادة التعريفات وإغلاق الحدود) بحدوث حالة من الفوضى في السياسة وفي الأسواق. وسوف تتسبب زيادة الضرائب على الأغنياء، وهو ما رحب به عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي من ذوي النوايا الحسنة، بجعل الاقتصاد الأميركي أقل ديناميكية.
لكن يبقى السؤال عما يمكن فعله للطبقة المتوسطة: هل ثمة حل آخر للأجور الراكدة، ولآمال العمال الأميركيين التي لم تتحقق؟ نعم هناك ويتمثل في سياسة نقدية.
منذ عام 1980 طرأت زيادة ثابتة على متوسطات الأجور مرتين فقط؛ الأولى في نهاية حقبة التسعينات، والثانية الآن، والشيء المشترك بين هاتين الفترتين هو رغبة بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقبل فترة طويلة من نسب التوظيف المتدنية.
وعلى مدار أربعة عقود تقريباً، كانت المهمة الأولى لبنك الاحتياطي الفيدرالي هي الإبقاء على مستوى التضخم المنخفض، ويعنى ذلك اتباع سياسة نقدية تتجنب حدوث تدنٍ كبير في نسب البطالة، وكذلك زيادة الرواتب بدرجة تتماشى معها. (النظرية هي أن الأجور المرتفعة تتسبب بارتفاع تكلفة المشروعات، وارتفاع الأسعار أمام المستهلكين، وفي النهاية ارتفاع نسب التضخم). ولذلك عندما يقلق بنك الاحتياطي الفيدرالي من تدني معدلات البطالة، التي تتسبب بدورها بحدوث التضخم، فإن رد فعل البنك يكون دائماً مباشراً بأن يرفع معدلات الفائدة بغرض إبطاء وتيرة الاقتصاد، ومن ثم يسمح بارتفاع معدل البطالة.
إن انحراف البنك الفيدرالي عن هذه السياسة أمر مفيد. ففي نهاية تسعينات القرن الماضي عندما بدأت البطالة في الهبوط عما اعتبره البنك مستوى الأمان، كان هناك قلق من أن زيادة التضخم باتت وشيكة، ولذلك أوصى خبراء الاقتصاد ببنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة معدلات الفائدة المصرفية.
لكن ألان غرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الحين، اعتقد أن التكنولوجيا الجديدة ستوفر نمواً في الإنتاج يكفي لسداد الأجوار المتزايدة، وقد تبين صحة ذلك. ومن خلال الاقتصاد، فإن التكنولوجيا أوجدت كفاءة جديدة في مجالات مثل بيع التجزئة، وبالطبع في تكنولوجيا المعلومات.
كذلك أظهرت نهاية حقبة التسعينات كيف أن السماح بتراجع معدلات البطالة إلى مستويات بالغة التدني يمكن أن يكون مفيداً للاقتصاد. فالبطالة المتدنية تدفع تكلفة العمال، لكنها أيضاً تضغط على مجال الأعمال لاستخدام العمال بكفاءة أكبر.
فقط فكر في ذلك: لو أن هناك مديراً دائم الانشغال بارتفاع التكاليف، فإنه من الطبيعي أن يغير من فكره الإبداعي للإبقاء على الأسعار منخفضة. وعلى النقيض، فإن المدير الذي اصطدم بانخفاض مستوى المبيعات سيكون أكثر اهتماماً بالإبقاء على عملائه وإرضائهم. فتدني مستوى الطلب في العالم سيتسبب بابتكار أساليب لتقليل التكلفة.
واليوم فإن الاقتصاد يستفيد من انحراف آخر عن المسار من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي لسبب آخر. فبعد فترة الكساد الكبير التي حدثت العقد الماضي، لم يعد ملايين الأميركيين يبحثون عن عمل، ووصل الكثير من خبراء الاقتصاد إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء الملايين قد خرجوا من القوة العاملة إلى الأبد. وفي الوقت نفسه، في بداية عام 2014 عندما وصلت نسبة البطالة إلى 6 في المائة، كانت هناك مخاوف من أن يمر الاقتصاد بارتفاع خطير في نسبة التضخم، وقد أوصى بعض خبراء الاقتصاد بزيادة سعر الفائدة لتجنب هذه الاحتمالية.
ومرة أخرى، تمكنا من مقاومة الاندفاع، فقد كان هناك قلق من أن يتسبب تباطؤ الاقتصاد بحدوث أزمة مالية جديدة قد يصبح من المستحيل تفاديها. ولذلك استمرت معدلات الفائدة المصرفية منخفضة خلال عام 2017 قبل أن تبدأ في الزيادة تدريجياً.
وكما أظهرت فترة نهاية تسعينات القرن الماضي، فإن التضخم المتدني يمكن أن يوجد مع البطالة المتدنية، فقد حدث الشيء نفسه في بداية العقد الحالي. في الحقيقة، فإن نمو التوظيف سار أفضل من المتوقع، والعمال الذين سرحوا من أعمالهم بدأوا في العودة إلى سوق العمل مجدداً. فقد أبقت هذه الزيادة الكبيرة في النمو الاقتصادي على أرباح الشركات حتى بعدما بدأت الأجور في الزيادة.
وحتى اليوم، فإن الأجور المرتفعة التي أدت إلى ارتفاع الأسعار فشلت في حل المشكلة. صحيح أن بعض الصناعات عانت من قلة عدد العاملين فيها، لكن ذلك ساعد في سحب العمال بعيداً عن الهامش وفي زيادة الإبداع، فقد بدأت المطاعم في تجربة الأكشاك وفي عرض قوائم الطعام عبر الإنترنت، وبدأت صناعة الشاحنات تتجه إلى المركبات ذاتية القيادة.
كل تلك التطورات حدثت بالفعل، وفي المجال الذي تحتاجه الأسواق بالفعل، وهو ما يسرع من وتيرة التطور والإنتاج والنمو، بالضبط كما حدث في نهاية التسعينات. ومن المتوقع أن تستمر زيادة الأجور التي يحصل عليها العمال.
الآفاق الأقل حظاً التي مر بها العمال على مدار الأربعين عاماً الماضية كانت بسبب السياسة المالية التي سمحت بزيادة البطالة أكثر من الضروري، وسمحت بدرجة إبداع أقل مما ينبغي.
إن وضع حد لنهاية السياسات التي تعمد إلى الإبطاء من عجلة الاقتصاد في وقت تباطؤ البطالة أمر ضروري لنجاح أي جهد يهدف إلى تحسين هذه الآفاق.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»