آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

الأطفال لا يستحقون الحرب

يبلغ عيسى من العمر عشر سنوات. تغيرت حياته بالكامل منذ بداية الحرب الأهلية السورية؛ فلقد نال الشوارع التي عاش فيها الدمار. ولم يعد بإمكانه الذهاب إلى المدرسة. ولقد توفي معظم أصدقائه أو غادروا. وتحول إلى طفل عامل بسبب الحرب في مصنع سلاح يتبع الجيش السوري الحر في حلب، جنبا إلى جنب مع والده، حيث يحمل القذائف ويصلح قاذفات الصواريخ. وتتكون حياته الآن من الأسلحة، والحرب، والموت.
ولم تكن حياة عيسى فقط هي التي تغيرت بسبب الحرب، بطبيعة الحال. ما يقرب من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون نسمة قد نزحوا من موطنهم، ونسبة 75 في المائة منهم من النساء والأطفال. خلف الاحتلال الأميركي للعراق ستة ملايين طفل يتيم، وفقا للإحصائيات الصادرة عن هيئة الإحصاء العراقية، وما يقرب من 3.5 مليون طفل عراقي كانوا قد ماتوا أو أصابتهم الإعاقة. والموقف الراهن في العراق جعل الحياة أكثر سوءا بالنسبة للأطفال، فبالإضافة إلى أولئك الذين تعرضوا لحوادث العنف، يشكل الأطفال كذلك الجزء الأكبر من النازحين، واللاجئين، وأولئك الذين يقاسون الجوع في الجبال. دعونا نتذكر أن الأطفال يشكلون 56 في المائة من مجموع الشعب العراقي.
والضرر الذي يلحق بالأطفال جراء الحرب يمتد لما هو أبعد من ذلك، حيث يجري تدريب الأطفال كمقاتلين في معظم تلك المناطق، حيث تدور رحى الحروب الأهلية، وحيث تحل الجماعات المتطرفة ومجموعات حرب العصابات محل الجيوش النظامية.
والصورة في أفريقيا، التي تخلى عنها العالم إلى حد كبير، رغم ثرواتها، باعثة على الأسى، حيث يجري تجنيد الأطفال في ثماني دول في أفريقيا بسبب مشاكل مع الإرهاب. وتستخدم أكثر 50 منظمة إرهابية في 23 منطقة صراع على مستوى العالم الأطفال في أعمال القتال. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، لقي أكثر من مائة ألف طفل حتفهم في الصراع الداخلي منذ عقد التسعينات.
ومن التنظيمات الأخرى التي تستخدم الأطفال المقاتلين في الحروب تنظيم السيليكا ومكافحة البالاكا في جمهورية أفريقيا الوسطى وجماعة بوكو حرام في نيجيريا.
وليست الحرب هي المشكلة الوحيدة التي تواجه أولئك الأطفال في أفريقيا، فطبقا لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة، كان هناك 842 مليون شخص من دون غذاء جيد في الفترة بين عامي 2011 و2013. ووفقا لأرقام منظمة الجوع العالمي، فهناك نحو سبعة ملايين شخص يلاقون حتفهم جوعا في كل عام، وثلاثة ملايين منهم هم من الأطفال.
ورغم أعداد الوفيات الضخمة جراء الجوع في أفريقيا، فإن الموقف لا يزال مقلقا في دول أخرى؛ فهناك أفغانستان وكوريا الشمالية من بين بعض الدول في قارة آسيا التي تعاني مشاكل في الجوع. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة، فإن نسبة 55 في المائة من الأطفال الأفغان يعانون سوء التغذية. وفي العالم بشكل أوسع، طفل واحد من بين كل عشرة أطفال يتعرض للجوع حتى الموت كل خمس ثوان.
ويقول جين زيجلر، وهو عضو في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بأن كوكبنا يحوي ما يكفي من الموارد لإطعام 12 مليار نسمة، أي نحو ضعف عدد سكان الأرض الحاليين.
لا يعرف الأطفال الكراهية، أو الغضب، أو الغيرة، ولا يدركون العالم الذي تحكمه الكراهية والحقد. وحال تلقيهم التدريبات على القتال فهم لا يدركون السبب وراء دفعهم إلى الصراعات التي لا تعني لهم شيئا البتة.
إنهم لا يستحقون جرهم من بين أنقاض المنازل المقصوفة، ليقفوا حراسا على جثث عائلاتهم التي شهدت القتل في الحرب أو اللعب في حقول معسكرات اللاجئين الموحلة. إن الأطفال هم مصدر الفرحة، والمستقبل. هل يمكننا تصور المأساة في حرمانهم من الفرحة وإجبارهم ليكونوا جزءا من نظام يدفع بهم إلى الموت دفعا ويجعلهم في مقدمة القتلى؟ ألا ينبغي علينا تربيتهم كأمل للغد، وكرسل للسلام والمحبة؟ أو لعل بعض الناس قد عقدوا بالفعل عزمهم، حين تخلوا عن الحب، ليحرموا الأطفال من الحب الذي خلقوا عليه.