إيلي ليك
TT

لماذا لا تنجح الرقابة على الأسلحة مع كوريا الشمالية أو إيران؟

بدا دان كوتس، مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية، محاولا تقويض ركنين من أركان سياسة الرئيس دونالد ترمب الخارجية يوم الثلاثاء الماضي. أولا، إعلانه أن كوريا الشمالية لن تتخلى أبدا عن أسلحتها النووية. ثم تصريحه بأن إيران لا تزال قيد الامتثال للاتفاق الدولي المعني بوقف برنامجها النووي.
كان هذا هو العنوان الرئيسي لدى مختلف وكالات الأنباء. ومع ذلك، ولمرة أخرى، يأتي خطاب الرئيس ترمب منفصلا تماماً عن الحقائق التي يطرحها الخبراء المهنيون من العاملين في إدارته للبلاد. ووجه بعض الديمقراطيين الانتقادات إثر ذلك.
ويسهل للغاية تسجيل مثل هذه النقاط السياسية - مع فقدان زخم كبير آخر لما يتصل بالسياسة نفسها. وقد يرغب نقاد السيد ترمب أن يسألوا أنفسهم سؤالا: إن كان الرئيس على خطأ لمحاولته إبرام صفقة مع كوريا الشمالية، فهل كان سلفه أوباما على خطأ حال سعيه السابق لإبرام الاتفاق النووي مع إيران؟ وعلى العكس من ذلك، إن كان الاتفاق النووي الإيراني مستأهلا للجهود التي بُذلت لأجله، فلماذا لا يتكرر الأمر نفسه مع كوريا الشمالية الآن؟ وتأكيدا للأمر، هناك فوارق مهمة للغاية بين الدولتين. فإن إيران لم تنشر أبداً أو تختبر سلاحاً نووياً من قبل، ولقد فعلت كوريا الشمالية ذلك. وتلك الأخيرة لم تسع إلى تدريب وتجهيز الميليشيات المسلحة في مختلف أنحاء شمال شرقي آسيا، على نحو ما تفعل إيران منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط.
وما تعكسه الدبلوماسية النووية مع كل من إيران وكوريا الشمالية هو محددات التفاوض بشأن الرقابة على الأسلحة مع الدول المارقة عن النظام الدولي. وتعد أسلحة الدمار الشامل بمثابة بوليصة تأمين الديكتاتورية. واحتمالات وقوع المواجهة النووية هي السبب الوحيد في أن كيم جونغ أون ووالد كيم جونغ إيل لم يلقيا نفس مصير صدام حسين أو معمر القذافي.
وليس هذا هو التشابه الوحيد. على غرار إيران، فلقد استخدمت كوريا الشمالية أيضا الدبلوماسية في شراء بعض الوقت. وهذا ما انتهى بإيران للحصول عليه في إبرامها للاتفاق النووي. في عام 2013 عندما شرعت الولايات المتحدة في المفاوضات الرسمية السداسية مع إيران، كان الغرض المعلن وقتها هو تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية تماما. ومع نهاية المباحثات بعد ذلك بعامين، تمخضت الصفقة برمتها على مجرد تجميد البرنامج النووي الإيراني لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة فقط.
وفصلت إيران أجهزة الطرد المركزية لديها عن العمل، ولكنها أبقت في الوقت نفسه على مرافق مهمة، بما في ذلك المخبأ السري تحت الأرض في مدينة قُم والذي تمكن جواسيس الولايات المتحدة من اكتشافه في عام 2009. والأكثر من ذلك، فإن في الاتفاق النووي الإيراني توجد بنود «الانقضاء الآجل» والتي من شأنها رفع القيود المفروضة على إنتاج الوقود النووي الإيراني بحلول عام 2021 وفي الوقت نفسه السماح لإيران بتحديث ما لديها من معدات بغية جعل هذا الوقود أكثر كفاءة. ولم يتناول الاتفاق النووي تطوير طهران للصواريخ الباليستية ولا رؤوسها الحربية. وحتى إن امتثلت إيران لبنود الاتفاق، فسوف تتمكن من تخصيب ما يكفي من الوقود النووي الذي يتيح لها وبكل سهولة صناعة الأسلحة النووية بعد انقضاء الآجال المضروبة. وفي الآونة الراهنة، سوف يكون بمقدورها الاستفادة من الأموال المتدفقة من العقوبات المرفوعة في تمويل حربها بالوكالة لبسط سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط.
ويدور تقدير مجتمع الاستخبارات الأميركي اليوم حول أن إيران لا تزال دولة تنتهج سياسات عدائية في المنطقة، في حين أنها قيد الامتثال إلى حد ما مع المحددات المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015. وهذا على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في العام الماضي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على المصارف وعلى صادرات النفط الإيرانية. وفي الأثناء ذاتها، فإن نفس التقديرات الاستخبارية تشير إلى تطوير إيران لمركبة الإطلاق الفضائي يقلل من الفترة الزمنية المطلوبة لتطوير الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على توصيل الرؤوس الحربية النووية إلى أهدافها. وعلى غرار كوريا الشمالية، لا تزال إيران تسعى للحصول على بوليصة التأمين الديكتاتورية النووية ذاتها. وهناك درس ماثل للسيد دونالد ترمب - ولنقاده كذلك. ينبغي على كل الشاعرين بالقلق من سياساته تجاه كوريا الشمالية أن يساورهم شعور بالأمانة حيال أوجه القصور لاتفاق أوباما النووي مع إيران. وينبغي على السيد ترمب، في الوقت نفسه، أن يتوخى المزيد من الصدق بشأن ما يسعى إلى تحقيقه على أرض الواقع. لأنه إن رغب حقا في التخلص من أسلحة كوريا الشمالية النووية فإنه يحتاج إلى التفكير مليا وأولا في كيفية تخليص بيونغ يانغ من زعيمها الديكتاتور قبل أي شيء.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»