مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

«وارسو» ومرحلة الاستقرار في الشرق الأوسط

يبدو أن مؤتمر وارسو لقص شريط المواجهة مع إيران وإضعافها بمثابة مفتاح مرور لإعادة الاستقرار لـلشرق الأوسط على الطريقة الأميركية، حتى وإن أعلنت بعض الدول عدم حماسها، بحكم أن السلام في المنطقة ابتعد عن مكانه المرسوم ضمن مخطط سابق، فقد اشتعل فتيل الصراعات الطائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهي بهذا المعنى قد تقوم بإعادة استقرار متغير في بنوده وسياسته، من دعم الإسلام السياسي إلى تشكيل أنظمة أحزاب سياسية دينية ضمن دولة مدنية، فالدور الجديد سيحول إيران إلى هذا النموذج، وينتهي دور الملالي، ومعه الدور القطري والتركي بمرحلة نشر الفوضى.
وتجنباً للخوض في أرض القرارات الأميركية التي شهدت استراتيجيات مختلفة، ونظرة خفية لمنطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التدمير والأضرار الجسيمة، فهي لم تكن تصغي لصدى الأحداث، لأنها كانت مقتنعة بوجود تفسيرات أخرى لما تريد، غير قابلة للفهم من الناحية العقلية، سوى أنها حملات مضادة تشبه المزايدة العلنية، وفي جوهرها ترمي إلى تبدل سياسة الاحتواء إلى سياسة المواجهة، خصوصاً بعد تطبيق عقوبات السابع من أغسطس (آب) 2018 على القطاعات المالية والتجارية والصناعية.
وقد ظهرت وسيلة جديدة لكبح جماح خطر طهران العدواني، وإيقاف أركان أهدافها التوسعية، بحظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، وتقدير الخطر الحقيقي الذي يمثله برنامجها النووي والانتهاكات الداعمة للإرهاب.
علاوة على ذلك، فقد تم حظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، مثل الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات التي تتعامل بالريال الإيراني، أو سندات حكومية إيرانية، وإيقاف النمو الاقتصادي بصورة أساسية. وفي سياق الأحداث المتواصلة من العام الجديد 2019، بدأت الولايات المتحدة الحشد لمؤتمر دولي ينعقد في العاصمة البولندية وارسو الشهر المقبل، من أجل مناقشة السياسات الإيرانية العدوانية في المنطقة بصورة رئيسية؛ أميركا الآن تحصد النتائج، وتواجه إيران لتغيير نظام الملالي فيها، بعد أن أدى دوره في التدمير بالمنطقة. لماذا غيرت أميركا سياستها المعهودة الآن؟ ونتساءل أيضاً: هل سنشهد مرحلة جديدة في الشرق الأوسط؟
الأمر الأكثر خطورة سيكون رفض طهران الانصياع لشروط المطالبة بإيقاف نشاطها الإرهابي الموسع في المنطقة وأوروبا، وخطرها الذي يهدد العالم، وإيقاف تصنيع الصواريخ الباليستية ومعالجتها، فهناك اعتبارات يجب مراعاتها من المتعاونين مع نظام طهران من زعماء أوروبا وعلاقاتهم المتباينة مع النظام بعد فرض العقوبات، فقد لاحت نتائجها وأهدافها الاقتصادية في الأفق، وستطبق هذه العقوبات على كل الانتهاكات الصريحة للقوانين المفروضة من واشنطن.
وبالتالي، أوضحت الظروف السياسية أن المرحلة حاسمة وآخذة بالظهور المخادع، فلم يعد مسموحاً لأولئك القوم بالمزيد من المراوغة. وفي هذا الجانب، نجد أن أكثر الفقرات أهمية في هذه المرحلة دور روسيا التي لا ترى ضرورة لحضور المؤتمر، ولن تساهم في حل مشكلة الشرق الأوسط من وجهة نظرها، ولن يحقق فائدة أو يضطرها للموافقة على مخططاتهم، فهم أكثر الناس صموداً مع حلفائهم، وينتزعون المواقف بإحساس متعاظم ومفرط في الأحقية بكل شيء. وقد صرحت وزارة الخارجية الروسية، في بيان أوردته قناة «روسيا اليوم»، بأنه بعد الاطلاع بعناية على جدول أعمال المنتدى وبرنامجه، قرر الجانب الروسي عدم المشاركة فيه.
تلك هي التصرفات التي تمارسها الدول العظمى ضد بعضها البعض بصرامة شديدة، فتغض الطرف عن الانتهاكات التي تتعرض لها دول المنطقة، ومن ثم تتضاد وتتوافق القرارات لتشكيل مواضع تمركز لوحداتهم وقواعدهم العسكرية، وليس هناك سوى تناقضات غير مفهومة، كونها تنفذ اتفاقات قديمة تتجدد لإطالة أمد الأزمة، واستمرار الصراعات والجرائم التي ترتكبها إيران، فقد أضحت الصور مألوفة وغير مستغربة، ولكن الدول المتضررة من نظام طهران تأمل في انتهاء الأزمات المستعرة في العالم العربي، بالتوصل إلى أسلوب ونمط سياسي حاسم، من خلال التعديلات التي بدأتها السياسة الأميركية، عوضاً عن سياسة التهدئة، وربطها بما يطرأ عليها من تحول.