زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الطائف: الجمال والمتعة

للأسف الشديد تتلخص معلوماتنا عن المملكة العربية السعودية في المدن الجميلة مثل الرياض والمدينة ومكة وجدة. وبعد ذلك نعتقد أن المملكة عبارة عن صحراء جرداء. ولكن لو ذهبنا إلى الطائف، سوف تتغير النظرة تماماً، وسوف نجد مفاجأة غير متوقعة، وهي أننا أمام متعة النظر والجمال، ليس في الجو فقط، وإنما في جمال الطبيعة التي لا يوجد لها مثيل في أي مكان رأيته. ولذلك سوف تجد في كل مكان شعاراً للترحيب بالزائرين يقول: «مرحباً تراحيب العطر»؛ لأن الطائف ذات رائحة العطر، حيث إن الزهور تحيط بها في كل مكان.
وقد دعاني الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقاً، والمدير المسؤول عن الفضاء الآن بالمملكة العربية السعودية، لزيارته في مزرعته بالطائف التي تبعد عن الطائف نحو ساعة تقريباً. وفي الطريق سرحت بخيالي عندما زرت الأمير في الرياض. ووجدت كيف أنه بنى بيته من الطين. وقدم لأول مرة عمارة الطين في السعودية التي تناسب طبيعة ومناخ المملكة، وقد ساعده في التصميم المصري الدكتور صالح لمعي. ولكن يجب هنا أن أشير إلى أن الأمير سلطان يحلم بالمكان والمواد التي تستعمل في عمارة البناء. وبعد ذلك يقوم المهندس بالتصميم الذي يريده الأمير. وهذه ترجمة للفكر المعماري الموجود حالياً في الولايات المتحدة الأميركية الذي ينادي به المعماريون «اسألوا الناس قبل أن تبنوا».
وعندما تركنا مدينة الطائف، ودخلت إلى المنطقة الجبلية، وجدت أن الطبيعة غير عادية. وقد سافرت إلى الكثير من دول العالم، ولم أشاهد جبالاً رائعة بهذا الشكل. وهي عبارة عن جبال عالية من الجرانيت تكسوها الورود في كل مكان. وهي عبارة عن لوحة فنية رائعة الجمال يندر وجودها في أي مكان. ووصلت إلى استراحة الأمير والتي بُنيت في حضن الجبل. وقد اختار المكان الذي تعلوه صخرة كبيرة الحجم تختلف في الشكل والحجم عن الصخور المجاورة، بالإضافة إلى جبل تتخلله أنفاق صغيرة مما يعطي للمكان رهبة وجمالاً فريدين.
أما الاستراحة، فقد بُنيت من أحجار الجرانيت. وأشرف على البناء مهندس مدني مصري. وقد عرفت من المهندس أنه ينفذ فقط أفكار الأمير سلطان. وقد عرفت أيضاً أن كل الأراضي الموجودة في الجبل تملكها القبائل؛ أي أن الدولة لا تملك شيئاً في هذا المكان؛ ولذلك أي شخص يريد أن يبني مكاناً لا بد عليه أن يشتري الأرض من القبائل. وقد اشترى الأمير سلطان أرضه من أحد المواطنين. ومن الجميل أنهم يشكرون الأمير؛ لأنه لا يضغط على أحد، ويدفع ثمن الأرض مثل أي مواطن آخر. وعلى مشارف استراحة الأمير، يوجد الكثير من المواطنين الذين يملكون استراحات أخرى بنوها في حضن الجبل.
وقد اصطحبني الأمير في جولة هناك لأشاهد منطقة الشفا، التي كانت تعيش فيها قبائل سفيان. ورأيت الكثير من النباتات التي تنتج شيئاً مثل الفلفل الأسود. وشاهدت شروخ الجبل التي يدخل فيها التيار الهوائي مع الورود لتعطي صوتاً ومنظراً من أجمل وأروع ما تسمع وترى في هذه السلسة من الجبال، حيث يتداخل اللون الأزرق مع اللونين الأخضر والأسود. كما نشاهد أشكالاً جميلة في تشكيل الجبال. وهناك منطقة صخرية كأنها تمثل شخصاً ساجداً يصلي أمام الجبل. وإذا وقفنا بين الجبال، على حد قول الأمير سلطان، فسوف نرى السحب كأنها تسير كي تعبر بجوارنا.