آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

العراق وغزة والمأساة الحقيقية

كان أسلافي يملكون إمبراطورية عملاقة عمرها 600 عام (الإمبراطورية العثمانية). كانت في أوج مجدها تمتد على مساحة 24 مليون كيلومتر مربع. وبعد اتفاقية لوزان، التي حلت ذكراها في الأسبوع الماضي، انكمشت مساحة 24 مليون كيلومتر مربع، التي تنازل عنها العثمانيون، وتحولت إلى 45 دولة منفصلة.
إذا كانت تركيا مزدهرة اليوم، فلا يرجع الفضل في ذلك إلى الأتراك بمفردهم، بل إلى جميع أصحاب الديانات والعرقيات في المنطقة، سواء سوريا أو اليمن أو الأردن أو القدس، وأسلاف جميع الشعوب التي كانت تدافع هناك عن أرض واحدة. إذا كنا اليوم نملك أرضا واحدة، بفضل تضحية أسلافهم، فعلينا أن نرد لهم الجميل بأفضل وسيلة ممكنة. ويجب أيضا أن نفعل ذلك كواجب إسلامي.
بدأت شعارات «حماية التركمان في العراق» تتردد في تركيا. وبالطبع يجب أن ندافع عن التركمان في العراق، وتستحق مساعي الحكومة التركية الثناء في هذا الصدد. ولكن لا يمكننا أن نتعامل مع الأمر وكأنه صراع عرقي، وكأن العرب أو الأكراد ليسوا جزءا منا. لا يمكننا أن نتظاهر بأن المساكين الذين يعيشون تحت القصف في سوريا ليسوا أشقاءنا. ولا يمكننا أن نتخلى عن المسيحيين الذين يجري طردهم من العراق أو هؤلاء الذين يتعرضون للمجازر فقط لأنهم من النصيرية. لا نستطيع التمييز ضد أي شخص على أساس عرقه أو طائفته أو دينه. نحن كيان واحد. عشنا معا رغم اختلافاتنا وما زال ذلك قائما. لا يمكن أن نكون غرباء (أو أعداء) عن بعضنا بسبب خطوط على الخريطة.
دعونا ننتقل إلى مكان آخر في هذا الكيان؛ غزة. على مدار أسابيع شاهدنا صراعا دائرا هناك، بالإضافة إلى القتل والدمار، مما جعل الوضع يتحول إلى مأساة هو أننا ننظر إلى صراع مرير أغلقت الطرق التي تؤدي إلى حله. نعلم أن تركيا وقطر تشتركان في محاولة وقف إطلاق النار، وأن مصر أيضا تؤدي دور الوسيط، بغض النظر عن عدم اقتناع حماس. في رأيي، كان من الممكن أن تؤدي تركيا دورا أكثر تأثيرا في هذه الأزمة بإجراء عدة تغييرات في السياسات، وربما أتناول ذلك في مقال آخر. ما أود أن أركز عليه اليوم يتعلق بالبعد الإنساني للأزمة.
يحول تصميم حماس على رفع الحصار كلية وإصرار إسرائيل على تدمير الإنفاق دون الوصول إلى وقف لإطلاق نار دائم أو حتى مؤقت، والمدنيون هم من يدفع الثمن. لا يمكن أن تكون التحذيرات التي تُطلق قبل بدء القصف فعالة في مكان يتركز فيه السكان مثل غزة، لأن السكان لا يجدون مكانا للهرب. المطلوب في الوقت الحالي، حينما لا تتوفر فرص للهرب أو وقف لإطلاق النار، هو إجراء مختلف لحماية المدنيين. كما اقترح الكاتب عدنان أوكطار؛ يجب نقل المدنيين في المنطقة المعرضة للقصف (وخاصة النساء والأطفال وكبار السن) إلى الضفة الغربية، أو مباشرة إلى تركيا، حتى يجري التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
والدولة التي تحتاج إلى الاشتراك في عملية النقل هي تركيا. يجب أن يجري فتح ممر، تؤمنه تركيا وتراقبه إسرائيل، يسمح بالمرور من غزة إلى الضفة الغربية، ويجب أيضا نقل بعض المدنيين من غزة مباشرة إلى تركيا. ينبغي أن يقيم هؤلاء الأشخاص في مناطق سكنية مؤقتة حتى يتوقف القتال، وأن يحصلوا على دعم من الأمم المتحدة.
وعلى النقيض من بعض الادعاءات، لا يعني ذلك التخلي عن المنطقة لصالح إسرائيل. فمثل تلك الفكرة غير واقعية من جوانب كثيرة. ويجب أن يكون الهدف هنا هو حماية المدنيين فقط، حيث يحيط بهم خطر واضح طالما ظلوا هناك.
في الواقع، تكمن المأساة الحقيقية في عدم وجود الحب. أرجو أن يعرف العالم كله أن المساكين والأطفال الأبرياء الذين يعانون هم من يدفع ثمن اختفاء الحب من جميع أركان العالم تقريبا. لقد نسيت الأخوة والوحدة وأصبحت المذابح أمرا روتينيا. كلما نسي الناس الحب الذي أراده الله، وتحولوا إلى الكراهية التي يبثها الشيطان، ارتفع الثمن الذي نسدده. وسوف تستمر المآسي حتى يلجأ الناس إلى الحب في بحثهم عن الحل، وليس السلاح.
ذلك لأن الشر لا يمكن أن ينهزم إلا بالحب، وليس القنابل.
يقول الكاتب مصطفى نهاد يوكسلر إن «الحب اختبار مقدس. والقضية الحقيقية هي اجتياز هذا الاختبار». نحن في حاجة إلى أشخاص وقادة عقلاء للبحث عن حلول من أجل اجتياز هذا الاختبار. بالطبع، يجب أن نتخذ إجراءات إنسانية عاجلة لمساعدة المظلومين، ولكن إذا أردنا حلا دائما للحالة المفزعة التي يعاني منا العالم اليوم، فيجب علينا أن نعزز روح الحب والوحدة التي تجمعنا معا.
وأي شخص ينبذ الحب سيفشل في الاختبار، مما يسفر عن أناس لا يملكون الحب وأمم لا تملك الحب تضم مثل هؤلاء الأشخاص، حينها سيصبح من السهل الإدانة والغضب والتحول إلى السلاح والقتل، ولن يكون مقتل الأطفال في الحروب أمرا غير عادي، بل أمر معتاد. هذه هي المأساة الحقيقية التي تنكشف أمام أعيننا.