شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

«آبل» لن تستطيع كسب ود الإعلام

تتطلع شركة «آبل» لأن تصبح منصة للموسيقى والتطبيقات والمقاطع المصورة والأخبار وغيرها عبر الإنترنت مقابل سداد اشتراكات منتظمة. لكن طريقة مفاوضات الشركة مع ناشري المجلات تعطي صورة عن التحدي الذي سيواجه الاستراتيجية الجديدة.
وقد أوضحت تفصيلاً وكالة أنباء «بلومبرغ» الأميركية قبل فترة الأسباب التي أثارت قلق بعض ناشري المجلات والصحف من جهود شركة «آبل» الرامية إلى تعديل طريقة عمل شركة «تكيستشر»، وهي الشركة التي اشترتها «آبل» العام الجاري والتي تقدم مجموعة من المجلات عبر الإنترنت مقابل 10 دولارات شهرياً. ومن ضمن الأسباب التي أثارت القلق أن «آبل» بإمكانها إغراء المشتركين الحاليين لتلك المطبوعات بأن تقدم لهم خدمة قراءة نفس المقالات من خلال شركة «تكيستشر» بعد التجديد.
وقد صدمت بعدما رأيت شركة «آبل» تكرر نفس الأخطاء التي حدثت في منصتها القديمة التي حملت اسم «نيوز ستاند» والتي تضمنت خدمة الأخبار والمجلات وكذلك الكثير من المحاولات لتقديم خدمة تلفزيونية للبث المباشر مقابل اشتراكات مدفوعة. وما فاجأني هو أن رؤية شركة «آبل» لمنصة «نيوز ستاند 2.0»، على الأقل كما يراها الصحافيون حتى الآن، تبدو قديمة وخاطئة.
عند اطلاعي على مفاوضات «آبل»، وجدت نفسي أعود إلى الوراء، تحديداً إلى عام 2010، عندما قضيت وقتاً طويلاً في الكتابة عن أول طعنة كبرى وجهتها شركة «آبل» عبر جهاز الكومبيوتر اللوحي «آيباد» الذي عرضت من خلاله للقراء الاطلاع على عدد من المجلات والصحف. في الحقيقة، لا يمكن المقارنة بين المقابل المادي الكبير للحصول على خدمات ما أطلقت «آبل» عليه في ذلك الحين اسم «نيوز ستاند» وبين مبلغ الاشتراك الزهيد المطلوب للاطلاع على عدد كبير من المطبوعات التي تقوم «آبل» بتطويرها حالياً. كان القلق يعتري الكثير من الشركاء في ذلك الوقت أيضاً من أن تتسبب «آبل» بتفكيك منظومة المبيعات والهيمنة على سوق الاشتراكات. لكن ما حدث هو أن منصة «نيوز ستاند» سقطت، وأضاع الشركاء وقتهم ومصادرهم في المشروع الخطأ الذي ابتدعه ستيف جوبز.
كان من المتوقع أن تساور الشكوك ذاتها غالبية هؤلاء الناشرين بشأن منصة «نيوز ستاند 2.0» الجديدة، والواقع يقول إن نغمة «آبل» لم تتغير طيلة 8 سنوات، وهي النغمة التي تقول باختصار: نحن «آبل»، واسمنا وحده كفيل بجذب جماهير القراء ممن لم يكن لهم أن يكونوا ضمن قراء مطبوعاتكم ومجلاتكم وما كانوا ليشتركوا فيها إلا عن طريقنا. قد تكون «آبل» على حق، لكن الناشرين في حاجة لتصديق أن بإمكانهم إغراء القراء من دون وجود «آبل» كوسيط.
الشركاء هنا يبدون غير متحمسين للحصول على حصة من قيمة الاشتراك البالغة 10 دولارات شهرياً للحصول على خدمة «آبل» التي تسمى «نيتفليكس نيوز»، وقد أثيرت بعض الاعتراضات المشابهة من خلال مالكي الشبكة التلفزيونية التي دخلت فيها «آبل» على سبيل الشراكة لإنشاء عدد من القنوات الإخبارية عبر الإنترنت. وكانت محاولة واحدة على الأقل من تلك المحاولات الكثيرة قريبة الشبه من الخدمات المعروضة حالياً مثل «دايركت تي في ناو»، وعانت «آبل» من سوء التوقيت وعانت أيضاً من التجاهل.
وسواء في منصة «نيوز ستاند» أو في قنواتها التلفزيونية، فإن «آبل» لم تركز بما يكفي على ما يمكن أن يحفز الشركاء المقبلين على تحمل مخاطرة القفز سوياً في مغامرة عمل جديدة. ويبدو أن «آبل» تصدق أن دخولها مجال الإعلام أو الترفيه سيتفوق على شركات الإعلام والترفيه العشوائية. صحيح أن الكثير من تلك الشركات لا تزال تعيش في الماضي، لكن على «آبل» أن تدرك ما يجذب الشركاء، إذ إن التنمر وحده لا يكفي في جميع الأحوال.
كما أفادت «بلومبرغ نيوز» بأنها تعتزم طرح خدمة «آبل ميوزيك» الموسيقية للمشاركين الجدد ضمن منصة «نيوز ستاند 2.0» التي تقول «آبل» إن بها نحو 50 مليون مشترك ما بين مجاني ومدفوع، وهو ما يعد مؤشراً على قدرة الشركة على اجتذاب أعداد ضخمة من المشتركين عبر الإنترنت. لكن اقتصادياً، هناك فارق بين الأخبار والموسيقى. من ناحيتها تمتلك شركة «آبل» القدرة على تغيير عادات الناس، وبإمكانها التغلب على العقبات في بدايتها أمام مشتركيها الجدد، لكن الشركة في حاجة إلى تغيير نهجها في التعامل مع مشتركيها الجدد.
إن تقديم حزمة منوعات ترفيهية أمر ينطوي على الكثير من التحدي، بحسب المحلل ريتش غرينفيلد. لكن ما تقدمه منصة «تكيستشر» الجديدة ليس مثل ما اعتادت تقديمه منصة «نيتفليكس» أو «آبل ميوزيك»، حيث يدفع المشتركون في الخدمة الأولى مبلغاً واحداً للحصول على مجموعة خدمات تشمل الأغاني والأفلام والمسلسلات.
إن السنوات الطويلة التي قضتها «آبل» في المعاناة مع شركات الإعلام والترفيه يجب أن تذكرها بأنها لن تكون منصة للخدمات الرقمية. فالمشكلة هي أن التحول هو القاعدة التي يرتكز عليها ذلك النوع من الاستثمار القوي الذي تتبناه شركة «آبل»، وإذا كانت اشتراكات الأخبار طريقاً صعباً، فلن تكون فكرة الاشتراكات الرقمية هي بطاقة السفر لمستقبل «آبل».
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»