حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

العاصفة النموذجية!

هناك مصطلح واسع الاستخدام وعريض الانتشار وسط ممارسي رياضة سباق المراكب الشراعية حينما يصفون الطقس الرديء للحالة البحرية فيشيرون إلى ذلك بقولهم «العاصفة النموذجية» The Perfect storm، والمقصود هناك عندما تتجمع عوامل عدة مختلفة ومؤثرة بشكل سريع ومتلاحق لتكون مؤثراً عظيماً.
عدد محترم من الاقتصاديين والمحللين الماليين المعتبرين يعتبرون ما يحصل الآن في «جيوب» مختلفة حول العالم هو بداية «العاصفة النموذجية» في الاقتصاد العالمي. ويستشهدون بالاضطراب المتواصل في سوق البورصة المالية في الولايات المتحدة، وتصريح شركة «جنرال موتورز» العملاقة عن نيتها إغلاق عدد من مصانعها في أميركا؛ وبالتالي الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين، وتصريح آلان غرينسبان، محافظ البنك الفيدرالي السابق، الذي حذر فيه أن عام 2019 سيكون «كارثياً، وعلى الجميع اللوذ بالفرار والاحتماء»، وهو رجل ذو وزن ثقيل وتؤخذ تصريحاته على محمل هائل من الجدية والاحترام.
أيضاً، هناك وضع البترول، تلك السلعة المهمة والمؤثرة جداً التي هبط سعرها بشكل عظيم في فترة بسيطة جداً؛ مما يؤشر إلى وجود فائض هائل من العرض في الأسواق العالمية، وهذا ليس له انعكاسات سلبية على الدول المنتجة للنفط التقليدي، لكن أيضاً على منتجي النفط الصخري في أميركا، في بعض الولايات هناك توقف في الإنتاج وتسريح للموظفين بسبب هبوط السعر إلى معدلات أقل من التكلفة المتعلقة بالإنتاج، مع عدم إغفال الوضع المتأزم في اقتصاديات أوروبا، واستمرار الاضطرابات في فرنسا وانتشارها لتصل إلى بلجيكا وهولندا لتؤثر على الاستقرار الاقتصادي.
وطبعاً هناك القنبلة المالية الموقوتة والخاصة بأزمة ديون إيطاليا التي ستنفجر في أي وقت في ثامن أكبر اقتصاد في العالم، والتي سيكون لها آثار سلبية مختلفة. وبطبيعة الحال لا يمكن إهمال الوضع البريطاني المتدهور اقتصادياً بسبب تداعيات أزمة «بريكست»، وتداعيات الفشل في حل لائق لاتفاق مطمئن يضمن خروجاً محترماً لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
حرب العملات المتصاعدة يقابلها حرب الضرائب والجمارك الحمائية، هي كلها ترسانة السلاح في الحرب التجارية العالمية الكبرى الحاصلة الآن التي تساهم في ترسيخ الصورة الذهنية السلبية لما يحصل. الصين والهند متأثرتان بما يحصل، وتراجعت نسب النمو الاقتصادي فيهما. إضافة إلى كل ذلك هناك تخمة غير مسبوقة من الديون العامة إلى درجة مرعبة، وباتت الدول تعتمد حصرياً على سياسة الاقتراض لتأمين النمو الاقتصادي؛ وهذا كوّن بالتالي فقاعة وصفها المراقبون الماليون بأنها «الفقاعة الأخطر» في التاريخ المالي.
في مثل كل هذه الظروف يعلمنا التاريخ أن العالم يستعد لحالة حرب عسكرية، دوماً في أسوأ الظروف الاقتصادية يكون الجواب بإطلاق حرب لتوجيه الإنفاق عليها، ورفع الحراك المالي بشكل صادم ومفاجئ. وهناك مؤشرات مهمة وعلامات لا بد من الالتفات إليها، رفع درجة التسليح الياباني بشكل غير مسبوق، وإعلانها عن ضم حاملتي طائرات إلى أسطولها البحري لأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود لمواجهة «المد الصيني» في المنطقة. وفي المقابل، كان هناك تصريح لافت للرئيس الصيني شي جينبينغ الذي قال فيه إنه «لا بد من الإسراع في توحيد إقليم تايوان مع الصين الأرض الأم»، وكذلك ارتفاع درجة التوتر بين أوكرانيا وروسيا على الصعد كافة، مع عدم إغفال أن درجة الاحتقان وصلت إلى مراحل عليا وغير مسبوقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومعارضيه من الحزب الديمقراطي الذين فازوا في الانتخابات النيابية الأخيرة؛ مما سيمكنهم من السيطرة على مجلس النواب، وبالتالي تعطيل برامجه الاقتصادية بمختلف أشكالها، و«إشغاله» بقضايا قانونية مهمة جداً وخطيرة. هذه العناصر المختلفة تتشابك وتلتقي كلها كعناصر قلق وعدم استقرار؛ فتؤثر بالتالي على الاستقرار الاقتصادي العالمي، هذا ما يمكن وصفه «بالعاصفة النموذجية»، وفي هذه الحالة يجب أن يكون هناك جاهزية استثنائية للتعامل معها والاستعداد الجيد لها.