جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

حروب الوكالة والنضال من أجل روح الرأسمالية

يبدو واضحاً أن تركيز الأموال داخل صناعة الاستثمار خلق الكثير من القوى بمحض المصادفة. وقد كشفت لنا الأزمة المالية عن قوة جهات التأمين على الاعتماد ووكالات التصنيف. وهناك ثلاث مؤسسات كبرى بمجال التصنيف («إم إس سي آي» و«إس آند بي غلوبال» و«إف تي إس إي رسل» التابعة لبورصة لندن)، وكذلك ثلاث مؤسسات كبرى في مجال إدارة الأصول الخاملة («بلاكروك إنك» و«ستيت ستريت كورب» و«فانغارد غروب»). وثمة احتكار ثنائي مثير للجدل على نحو متنام في مجال الاستشارات بالوكالة: «إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفسيز» و«غلاس لويس».
من جانبهم، يؤكد المعنيون بإدارة الأصول الخاملة أنهم بمثابة الحراس النشطين للشركة التي يملكونها، حتى وإن لم يكن باستطاعتهم التهديد ببيع أسهم الشركات التي تسيء التصرف.
أما الأمر الذي لا خلاف عليه فهو أن الاستثمار الخامل أضفى أهمية أكبر بكثير على عملية التصويت بالوكالة، والتي يمارس في إطارها حملة الأسهم سيطرتهم دون استخدام سلطة بيع الأسهم. ونظراً لأن إدارة حملة بالوكالة تستلزم عملاً دؤوباً وإنفاقاً على الأبحاث، فإن ذلك يخلق كذلك مشكلات تتعلق بالتكلفة أمام المديرين الذين تتمثل ميزتهم الأساسية في الأسعار المنخفضة. وداخل السوق الأميركية، هناك جهتان استشاريتان فقط بالوكالة على مستوى ضخم. إذن، هل يعني ذلك أن هاتين الشركتين أصبحتا بمحض الصدفة على درجة خطيرة من القوة، مثل وكالات تصنيف الائتمان من قبل؟
أكدت بعض الأبحاث الأكاديمية الحديثة أن ذلك قد حدث بالفعل. وبلغ هذا السؤال درجة بالغة من الخطورة دفعت لجنة الشؤون المصرفية لمجلس الشيوخ إلى عقد جلسة استماع بهذا الشأن، الأسبوع الماضي. وأُوصي بشدة بقراءة الشهادة المعدة سلفاً، والمتاحة على الموقع الإلكتروني للجنة، الخاصة بمايكل غارلاند، الذي يترأس شؤون التعاون مع الشركات بمكتب مراقب الحسابات في نيويورك، وكذلك شهادة توماس كوادمان، من مركز تنافسية أسواق رأس المال التابع لغرفة التجارة الأميركية. جدير بالذكر أن الغرفة لطالما تورطت في خلاف حاد حول ما تعتبره مستثمرين مؤسسين يتحركون بدوافع آيديولوجية، خاصة صناديق المعاشات التي تتولى إدارتها النقابات العمالية. في تلك الأثناء، تعد صناديق معاشات مدينة نيويورك، والتي تشكل ثالث أكبر منظومة على مستوى البلاد، الجهة الاستثمارية الأكثر نشاطاً في التأكيد على حقوقها.
جدير بالذكر أنه منذ 20 عاماً، استغل مراقب حسابات مدينة نيويورك آنذاك التهديد بسحب الاستثمارات من الشركات السويسرية، لإجبار البنوك السويسرية على التوصل لتسوية مع أقارب ضحايا الهولوكوست الذين سمح لحساباتهم أن تبقى خاملة، في واحدة من أقوى صور استعراض قوة حاملي الأسهم.
وعليه، لا ينبغي أن يكون من المثير للدهشة أن تتجاوز خلافات الجانبين مجرد حجة فنية تفصيلية بخصوص التصويت بالوكالة في عالم تهيمن عليه الاستثمارات الخاملة. وفي قلب الخلاف يكمن التساؤل: هل المسؤولية بالوكالة للمسؤولين التنفيذيين والمديرين تحمل في طياتها الواجب لتحسين مستوى القيمة بالنسبة لحاملي الأسهم ولا شيء آخر، أم أنه ينبغي أن يتجاوز هذا الحد؟
من وجهة نظر الغرفة التجارية، لا ينبغي السماح للمستثمرين بطرح مقترحات على صلة بقضايا تتعلق بالبيئة والصعيد الاجتماعي والحكم يمكن أن تتعارض مع أداء الشركات.
أما غارلاند، فأعرب عن اعتقاده بأن مجالس الإدارات والمديرين لا ينبغي أن يفترضوا أن مهمتهم الوحيدة تكمن في زيادة العائد بالنسبة للمستثمرين. والواضح أن هذا انقسام فلسفي عميق. اللافت أن الاهتمام تنامى خلال السنوات الأخيرة بما يطلق عليه «الملكية العالمية». وتسيطر مؤسسات كبرى على حصة كبيرة من الاقتصاد لدرجة تحتم عليها التفكير في التداعيات الخارجية المرتبطة بها، وباعتبارها جهات استثمارية تعمل نيابة عن المتقاعدين المستقبليين، فإنهم قد يحاولون تعزيز فرصة حصول أعضائهم على هواء نقي لاستنشاقه عندما يتقاعدون.
من بين القضايا الأخرى المثارة وجود شركة مدرجة. والسؤال هنا: هل يمكن أن تصبح القضايا المتعلقة بحوكمة الشركات مرهقة لدرجة تدفع الشركات لاتخاذ قرار بأن الطرح العام للأسهم لا يستحق المعاناة التي يتطلبها؟ من جانبها، تلمح الغرفة التجارية إلى إمكانية إقدام الشركات على ذلك.
في الواقع، يدور لبّ الخلاف حول ما إذا كانت رأسمالية حاملي الأسهم من الممكن أن تنجح في صورتها الحديثة. والملاحظ أن هذا التساؤل يتحرك باستمرار من أجندة الشركات نحو الأجندة السياسية. على سبيل المثال، ثمة اقتراح من السيناتور الليبرالية المنتمية لماساتشوستس والمرشحة الرئاسية المحتملة، إليزابيث وارين، بأن يجري تمثيل الموظفين داخل مجالس الإدارة.
من ناحية أخرى، تبقى مشكلة تنظيم الجهات الاستشارية العاملة بالوكالة. بوجه عام، يثير أي تركيز للسلطة القلق، وربما يكون من المغري للغاية بالنسبة لأي مدير يحاول تقليل التكاليف مع حماية نفسه ضد أي مشكلات محتملة القول بأنه تصرف بناءً على نصائح «إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفسيز». وتماما مثلما أنه لم يسبق لأي مسؤول فصله من عمله لشرائه جهاز كومبيوتر «آي بي إم»، فإن أحداً لم يتعرض للفصل قط لتصويته بناءً على نصيحة وجهتها له «إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفسيز». ومن الضروري التحلي بالوضوح إزاء كيف ينبغي تنظيم هذه الشركات. في هذا الصدد، تثير الغرفة التجارية مسألة وجيهة، ذلك أن المؤسستين الاستشاريتين الكبريين تتبعان هيكلين تنظيميين مختلفين. وفي الوقت الذي تم تسجيل «إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفسيز» تحت مظلة قانون المستشارين الاستثماريين باعتبارها جهة ائتمانية، فإن هذا الأمر لا ينطبق على «غلاس لويس»، والتي بررت ذلك بتضارب محتمل في المصالح.
ومع ذلك، فإنه لا ينبغي استغلال هذه النقطة على نحو يجعلها أشبه بحصان طروادة من أجل فرض تنظيمات غير ضرورية على الإطلاق ولا تفيد سوى مجالس الإدارة غير الأمينة.
ومثلما أوضحت «إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفسيز» في ردها، فإن نظام العمل الحالي جرى تنظيمه لضمان حماية نزاهة الأبحاث والتحليلات التي نجريها لحساب المستثمرين من النفوذ غير المناسب من جانب الشركات التي نتولى تحليلها. وترى «إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفسيز» وعملاؤها أنه من غير اللائق إجبار الجهات الاستشارية العاملة بالوكالة على تسليم عملها إلى إدارة الشركات التي يجري تحليلها لمراجعته والتعليق عليه قبل تقديمه إلى عملائها المستثمرين الذين تعمل لحسابهم. ومع هذا نجد أن ذلك واحد من المتطلبات التي تجري دراستها في الوقت الراهن.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»