د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

بيادق الحرب الاقتصادية

في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ألقت السلطات الكندية القبض على منغ وانزهو، المديرة المالية لشركة «هواوي» الصينية، بعد طلب من السلطات الأميركية. وتدّعي السلطات الأميركية أن «هواوي» انتهكت العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بتصديرها منتجات وتقديمها لخدمات لإيران. وبحسب اتفاقية تسليم المجرمين المتبادلة بين الولايات المتحدة وكندا، فإن لأميركا الحق في طلب هذا الاعتقال.
وبهذا الاعتقال فقد أثيرت قضية جديدة، وهي استخدام الولايات المتحدة أسلحة جديدة في الحرب الاقتصادية ضد الصين، وبينما ترى الولايات المتحدة قانونية اعتقال المديرة المالية (والتي أفرج عنها بكفالة هذا الأسبوع)، تؤمن الصين بأن هذا الاعتقال ما هو إلا وسيلة جديدة تتخذها الولايات المتحدة للضغط على الصين في الخضوع للشروط الأميركية المطلوبة لحل الحرب الاقتصادية.
وبداية يجب معرفة بعض الحقائق بهذا الشأن، أولها أن المديرة المالية لشركة «هواوي» هي ابنة مؤسس الشركة الصينية، الضابط السابق في الجيش الصيني، أي أنها أكثر من كونها مديرة مالية لـ«هواوي». وثانيها أهمية شركة «هواوي» العالمية، فهي أكبر مقدّم لشبكات الهواتف في العالم متفوقة ومنذ أعوام على «نوكيا» و«إيركسون»، كما أنها تعد ثاني أكبر مصنّع للهواتف الذكية بالتنافس مع شركة «آبل» الأميركية محققة عوائد في العام المنصرم زادت على 92 مليار دولار. والأمر الثالث أن شركة «هواوي»، ورغم كونها أكبر مزود لشبكات البيانات في العالم، فإنها ممنوعة من العمل في الولايات المتحدة بهذا النشاط، بسبب ظنون أميركية بأن الصين تستخدم هذه الشركة لاختراق قواعد البيانات، إضافة إلى استخدامات أخرى غير شرعية. وتتشارك الولايات المتحدة هذا الاعتقاد مع دول أخرى، مثل بريطانيا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا.
وتدلل هذه المعلومات على أهمية هذا الاعتقال، الذي ترى الولايات المتحدة قانونيته وعدم ارتباطه بأي شكل بالحرب الاقتصادية الحالية، مؤكدة أن التحقيق في انتهاكات «هواوي» للعقوبات الاقتصادية على إيران بدأ منذ عام 2016، أي قبل تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد الرئاسة وقبل أحداث الحرب الاقتصادية.
وفي الجانب المقابل، فإن الصين ترى أن هذا الاعتقال هو تحذير أميركي بأن كل الأسلحة قابلة للاستخدام في الحرب الاقتصادية، لا سيما أن «هواوي» مقبلة على مشاريع عالمية في إنشاء شبكات الجيل الخامس حول العالم، أي أن تعطيل الشركة يشكل ضررا لا يستهان به للصين.
ويستند الصينيون إلى حادثة سابقة هي شركة «زي تي إي» الصينية، والتي سبق لها أن أقرت بالتهمة ذاتها في السنوات الأخيرة، ولم يتم اعتقال أي مسؤول من الشركة حتى مع ثبوت التهمة، فكيف يعتقل الآن مسؤول من شركة لا تزال في موضع الاتهام للتهمة ذاتها؟. ولا يستبعد الصينيون أن تسعى الولايات المتحدة لضم حلفاء جدد في الحرب ضد الصين، خاصة أن الاعتقال تم على أراضٍ كندية، وهو ما جعل استقلال القضاء الكندي محل شك.
ولم تسكت الصين عن التصرف الكندي، فقد ألقت القبض على مواطنين كنديين في خطوة وصفتها كندا بالخطوة الانتقامية، وهو ما قد يكون سبباً في الإفراج عن المعتقلة. وبعد الإفراج، طالب القضاء الكندي من الولايات المتحدة تزويده بوثائق تدعم هذا الاتهام، إضافة إلى توضيح عدم علاقة هذا الاعتقال بأي حيثيات سياسية، وهو أمر يصعب إثباته. و«ما يزيد الطين بلة» أن الاعتقال تم في اليوم ذاته الذي اجتمع فيه الرئيسان في قمة الدول العشرين، الأمر الذي بدأ للصين وكأنه رسالة واضحة.
هذا الحدث وضع السلطة القضائية الأميركية أيضاً في موقف لا تحسد عليه، ذلك أن الرئيس الأميركي صرح بأنه قد يتدخل لحل هذه القضية في حال تعاونت الصين معه في إيجاد مخرج للحرب الاقتصادية. وهو تصريح مسيء للولايات المتحدة من عدة نواح... أولها أنه أكد الشكوك الصينية بارتباط القضيتين ببعضهما، وثانيها هو إمكانية تدخل الرئيس الأميركي في العدالة القضائية في الولايات المتحدة وتبرئة من قد يكون مذنبا. وقد تكون النظرة الموجهة إلى الرئيس الأميركي أكثر ما يثير القلق في هذه القضية، فهو على ما يبدو عازم على استخدام المديرة المالية كبيدق في الحرب الاقتصادية على الصين. وفي هذه الحالة فإن للرئيس ترمب القدرة على إلحاق الضرر بالمصالح الصينية، بتعطيل شركاتها الكبرى، وليس في الولايات المتحدة فحسب، بل وفي دول أخرى أيضاً.