كارا ألايمو
TT

العمل الجماعي ضد الأخبار الكاذبة

كشف تحقيق نشر مؤخراً أن موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قد أخطأ في رد فعله لانتشار الأخبار الزائفة عبر منصته، حيث اعترف المدير التنفيذي للشركة مارك زوكربرغ في مقابلة شخصية بأن «المشكلات التي تعاني منها شركته ليست من ذلك النوع الذي يمكن لأي شركة التعامل معها بمفردها». وهو على حق فيما قال، حيث إن «مشكلة الأخبار الزائفة أصبحت أكبر من أن تستطيع شبكة تواصل اجتماعي التعامل معها بمفردها، لأن الشركة باتت في حاجة إلى مطلب المساعدة من المستخدمين من خلال الاستعانة بالمصادر الخارجية».
الأخبار الزائفة منتشرة بدرجة كبيرة عبر «فيسبوك» وغيره من شبكات التواصل. فروسيا مثلا سعت إلى التدخل في الانتخابات الفصلية الأميركية، والنشطاء الوهميون في بنغلاديش سعوا إلى الترويج لمزاعم بتسيير مسيرات نسائية في أميركا بغرض بيع بضائع معيبة، وهناك حملة التضليل الضخمة التي جرت في الانتخابات البرازيلية، ناهيك عن حملات الأخبار الكاذبة التي أدت إلى اشتعال العنف في دول مثل الهند وميانمار وألمانيا.
فقد خلق «فيسبوك» ما يمكن تسميته «غرفة الحرب» التي يحاول العاملون فيها تحديد الأخبار الزائفة، لكن عددهم أقل من أن يستوعب طوفان الأخبار المنتشرة عبر منصته. ويكمن جانب من المشكلة في أن الفريق يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لكن بحسب ما أوضح الخبراء في صحيفة «ذا تايمز» مؤخراً، فإن الاستعانة ببعض كلمات البحث الرئيسية «كي وردز» أثبت أنه طريقة غير فعالة في تصيد الأخبار الكاذبة. فالحاجة إلى الذكاء البشري باتت أكثر إلحاحاً، ولذلك فإن مواجهة الأخبار الكاذبة تتطلب المساعدة من المستخدمين أنفسهم.
إن أفضل الأساليب للتعامل مع مشروع بالغ الضخامة في مؤسسة ما هو أن تطلب العون من الكثير من المتطوعين. فتلك هي الطريقة التي صنع بها قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية، حيث طلب المحررون من عامة الناس البحث في الكتب التي بحوزتهم عن تعريفات لكلمات محددة ثم إرسالها إليهم عبر البريد الإلكتروني، وقد شارك الآلاف بالفعل في إنجاز ذلك العمل. وقد تساءل الكاتب جيمس سرويكي في كتابه الأخير «حكمة الجموع» عن السبب الذي يجعل الجموع دائماً أذكى من الأفراد، وكيف أن العمل الجماعي يصوغ الأعمال والاقتصاد والمجتمعات والشعوب بطريقة أفضل. وتتجلى الإجابة دائما في عمل الجماعات الكبيرة حتى وإن وجد بينها بعض محدودي التفكير وقليلي المعرفة.
وفي الحالة التي نحن بصددها الآن يتعين على «فيسبوك»، إضافة زر أسفل كل خبر منشور عبر منصته يطلب فيه من القراء تقييم صحة أو زيف الخبر. بالطبع قد يوجد من يقول إن الخبر زائف فقط، لأنه لا يتفق مع فحواه، وفي المقابل يوجد بعض الناس ممن يسهل خداعهم بالأخبار الزائفة. لكن ما يطمئن بعض الشيء أن «فيسبوك» قد حدد علامات تصنيف داخلية من شأنها أن تساعد الشركة على استبعاد مروجي الأخبار الزائفة من منصته، وستساعد العلامات الموضوعة على الخبر الكاذب «فلاغز» لاحقا في تحديد نوعية تلك الأخبار، وسيتولى فريق عمل «فيسبوك» رصد تلك الأخبار ومن ثم حذفها.
في الوقت الحالي، هناك خيار أمام المستخدمين للضغط على الجانب الأيمن العلوي للصفحة للرد، ومن خلاله يمكن الإبلاغ عن محظورات مثل العري والأخبار الكاذبة والحض على الكراهية أو أي معلومات مضللة في عملية التصويت الانتخابي. وستعمل الكثير من المصادر الخارجية بطرق مختلفة، لأن «فيسبوك» سيطالب مستخدميه بالمشاركة وبأعداد ضخمة في تحديد صحة الأخبار المنشورة.
تعتبر عملية تقصي الحقائق المستقلة جزءاً من الحلول التي يوفرها الاتحاد الأوروبي في مواجهة الأخبار الكاذبة. ففي أبريل (نيسان) الماضي قامت مفوضة الاتحاد الأوروبي بعمل شبكة لتقصي الحقائق في إطار مبادرة جديدة لمواجهة الأخبار الكاذبة. وطالبت المفوضية شبكات التواصل ببذل المزيد من الجهد، مشيرة إلى أن تلك المنصات «فشلت في تحقيق ذلك وفي التصدي لانتشار الأخبار الزائفة وفي مواجهة كل من يسيء استخدام منصاتهم». ولذلك فإن تلك المنصات وحدها غير قادرة على المواجهة بمفردها ولا على رصد الأكاذيب؛ نظرا لكثرة المحتويات المنشورة وكثرة المنتفعين من انتشار الأكاذيب. ولذلك هناك حاجة حقيقية إلى جهد جماعي متناغم. صحيح أن «فيسبوك» قد أخطأ في إدارة المواجهة، لكن مواصلة الهجوم على الشركة سيجعلنا نتجاهل حقيقة مهمة، وهي أن الأخبار الكاذبة باتت أكبر من قدرة أي مؤسسة على مواجهتها منفردة. ولذلك فقد حان وقت العمل الجماعي.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»