فاز عمر سمرة، وهو مواطن مصري، بمسابقة «إكس أبوللو» العالمية لرواد الفضاء ليصبح أول مصري يصعد إلى الفضاء الخارجي، بعد اجتيازه اختبارات بدنية ونفسية متعلقة بالفضاء ضمن فعاليات المسابقة التي جرت في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية أخيرا.
حلم الذهاب إلى الفضاء واستكشاف أسراره شغل الناس كثيرا خلال عقدي الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي، وكان التركيز حينها منصبا على الكواكب الأخرى وما إذا كانت تقطنها مخلوقات أو ربما بشر مثلنا. ومع أول رحلة إلى الفضاء الخارجي من رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين في 1961 وسير رائد الفضاء الأميركي نيل آرمسترونغ على سطح القمر عام 1969، راح خيال العقل البشري ينسج قصصا معتقدا أنه بعد عقود من الزمن سيكون بإمكان البشر العاديين الذهاب في رحلات إلى القمر وكواكب أخرى عبر حجز تذكرة كما تحجز الآن تذكرة طائرة لتسافر من القاهرة إلى لندن، على سبيل المثال. ولاقت أفلام الخيال العلمي مثل «حرب النجوم» ومسلسلات مثل «ستار تريك» رواجا واسعا.
أتذكر مسلسلا تلفزيونيا إنجليزيا يعود إلى حقبة السبعينات عرضه التلفزيون العراقي في الثمانينات عنوانه «الفضاء عام 1999» يتناول الموضوع نفسه، متصورا أنه في ذلك العام ستتجول المركبات الفضائية في الفلك مثلما تحلق الطائرات الآن في سماء كوكب الأرض، وأن البشر سيتمكنون من إقامة قواعد بحثية على سطح القمر.
حل ذلك العام وجاءت الألفية الثالثة ومر أكثر من نصف قرن على رحلة غاغارين وغالبيتنا العظمى لم تغادر كوكب الأرض ولم تحجز تذكرة سفر إلى الفضاء الخارجي. ولم يذهب في رحلة خارج الأرض منذ ذلك الحين سوى 536 رائد فضاء من 38 دولة، ربما سينضم إليهم لاحقا المواطن المصري عمر سمرة.
في مقابل هذا التقدم البطيء في علوم الفضاء، بوغت العالم بثورة تكنولوجية لا صلة لها بالكواكب والفلك، لكنها حولت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة يتواصل سكانها بعضهم مع بعض أينما كانوا خلال أقل من الثانية بالصوت والصورة. ثورة الاتصالات اجتاحت حياتنا وغيرت وجهها إلى الأبد وربما لم يشهد لها العالم مثيلا منذ قيام الثورة الصناعية واكتشاف الكهرباء أواخر القرن التاسع العشر.
صرنا نلهث للحاق بتقنيات الإنترنت والكومبيوتر المحمول واللوحي والهواتف الجوالة الذكية وتطبيقاتها، بينما انتهت الأجيال الأولى من الهواتف الجوالة العادية أو غير الذكية في المتاحف. وبوتيرة سريعة تحقق الاتصالات قفزات تثير العجب، فلا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع بتطبيق جديد يصبح بعد فترة وجيزة جزءا من يومياتنا ونتساءل كيف عشنا طوال هذا الوقت من دونه.
السؤال هو لماذا هذا التقدم المثير للدهشة في تكنولوجيا الاتصالات يقابله زحف أشبه بزحف السلحفاة في العلوم الأخرى؟ ربما لا تفسير للموضوع سوى أنه بينما بقية العلوم يحتكرها ثلة من العلماء يجرون تجاربهم وبحوثهم في مراكز ومختبرات خلف الأبواب الموصدة، فإن تطوير وسائل الاتصالات أمر متاح لكل من يرغب من الموهوبين في أنحاء المعمورة من جميع الأجناس والأعمار، سواء كانوا هواة أو طلابا أو علماء، فتجدهم في بيوتهم أو مكاتبهم، وفي المقاهي والطرقات صباح مساء يمسكون بكومبيوتراتهم الثابتة والمحمولة وبهواتفهم الذكية يبحثون ويطورون برامج تصبح لاحقا جزءا من حياتنا اليومية. وكم مرة سمعنا أن محركي البحث «غوغل» و«ياهو» اشتريا برنامجا من مراهق سهر الليالي يبحث ويجرب تاركا خلفه التزاماته المدرسية.
ماذا لو فتحت العلوم الأخرى أيضا أبوابها ومختبراتها لتجارب الهواة والموهوبين بعيدا عن أصحاب الشهادات والاختصاص؟ ربما كنا سنرى عجبا!
7:38 دقيقه
TT
الفضاء عام 1999
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة