ستيفن كارتر
TT

أميركا: هل نحن مستعدون للكوارث الكبرى؟

هل نحن مستعدون لنهاية العالم على يد مخلوقات «الزومبي» (الجثث المتحركة)؟ حسناً، قد تعتقد أنها مجرد رواية خيال علمي، وأن هذا لن يحدث أبداً. لماذا نحمل أنفسنا عناء الاستعداد إذن؟ لم يعد لديَّ ذلك اليقين بعد أن شاهدت التغطيات في التلفزيون لخبر العاصفة الثلجية التي ضربت الساحل الشرقي لتشل الحياة به تماماً. وقد سأل المراسلون أنفسهم السؤال نفسه: لمن نلقي باللائمة عن سوء استعداد المدن والولايات لمواجهة مثل هذه الأزمات؟
إن الحكمة الأكاديمية المعتادة هي أنه لو أننا استعددنا لكل احتمالية صغيرة سوف نتعرض للإفلاس. لكن إدراكنا المتأخر فقط هو ما يجعلنا ندرك أن علامات الكارثة غير المحتملة كانت أمام ناظرينا. نحن نميل دوماً إلى الإدراك المتأخر للأشياء ونكتفي بالتنفيس عن أنفسنا بأن نلقي باللوم على من لم يرسم لنا الصورة كاملة. ولذلك ففي أمر نهاية العالم المستبعدة تماماً على يد كائنات «الزومبي»، سيكون الصحافيون والمعلقون المحصنون في مكاتبهم أول من يسأل عن السبب الذي جعلنا لا نستعد لتلك الاحتمالية.
لحسن الحظ وجدنا الإجابة: إنه الجيش الأميركي. هذا ليس بالمزحة.
على موقع «القيادة الاستراتيجية» الأميركية ستجد خطة مفصلة عن مواجهة نهاية العالم، أعدها مجموعة من الضباط الصغار في إطار برنامج تدريبي. والوثيقة التي لفتت الأنظار منذ سنوات مليئة بمحاولات التنصل من المسؤولية، وهو ما تجلى في المربع الأحمر الكبير في الصفحة الأولى التي تخبر القراء بأن هذا التكليف يستند إلى «سيناريو خيالي بالكامل». لكن دعونا نفترض أن محاولات التنصل تلك قد جرت مناقشتها خلال جلسة استماع بالكونغرس لتحديد المسؤوليات، في حال كان هناك غزو من كائنات «الزومبي». ولذلك دعونا نقضي بعض الوقت في تصفح هذا الموقع، لكن ليس بذلك القدر من الجدية.
لو أن النصائح قد اتبعت من البداية لمواجهة كارثة «الزومبي» التي صورت على الشاشة لما رأينا الجيش الأميركي يدحر بهذه السهولة في الساعات الأولى من الغزو. فقد استخدم تعبير «الغزو» مراراً وتكراراً في تلك الوثيقة على الموقع الإلكتروني، وبالتأكيد فهي التعبير الأدق لوصف الكارثة التي ستتبع عدوى «الزومبي». وبالتأكيد فإن الطريقة التي سنتعامل بها مع جثث «الزومبي» المتحركة التي تسير في الشوارع، هي نفسها التي سنتعامل بها مع الغزاة، أي غزاة. والمعنى هنا أن نحمي الأشخاص الذين لم يصابوا بالعدوى، وأن نقضي على الغزاة.
«الزومبي» كائنات لا يمكن ردعها أو التفاوض معها، ولذلك فالحل الوحيد هو تدميرها. لكن الصعوبة تكمن فيما شاهدناه جميعاً في تلك الأفلام، وهي أن «جحافل الزومبي تزداد قوة مع زيادة خسائر البشر في مواجهتهم، وذلك لأن كل شخص يصاب بالعدوى سينضم تلقائياً إلى حشود الزومبي».
ولذلك من المهم خلق مواقع شديدة الحماية، وحراسة المرافق الحيوية، ويجب تحصين الطرق بالحواجز وإغلاقها بنقاط التفتيش. وسوف تكلف السلطات المحلية بتوفير الطعام والشراب الآمن الذي لم تطله العدوى. وإن لم تنجح في ذلك، فسيكون الإخلاء القسري أمراً لا جدال فيه. وسيجري تحذير السلطات بعدم السماح للناجين «بالعودة لاصطحاب العائلة أو الأصدقاء أو الأحباء، وكل من يفعل ذلك لن يسمح له بالعودة».
تتوقع الخطة أن الناجين سيقومون بالإغارة على أقسام الشرطة وعلى متاجر بيع السلاح للحصول على الأسلحة، وسترسل جميع التحويلات من دون رقم سري ليسهل على الناجين أو ذويهم تسلمها، ويجب كذلك تسهيل تواصلهم مع الجيش.
تقبل القائمون على تلك الخطة وجهة النظر العامة التي تقول إن «زومبي» ليسوا أحياء، وهو ما يفتح المجال أمام استراتيجيات محتملة. في الأحوال العادية، فإن الإجراءات التي تتبع في النزاعات المسلحة يحكمها بعض القواعد الأخلاقية، لكن «القانون الأميركي والعالمي لا يطبق ذلك سوى على البشر والحيوانات». ولذلك فإنه من الوارد استخدام الأسلحة النووية مع مخلوقات «زومبي» داخل حدود الولايات المتحدة حال اقتضت الضرورة ذلك.
الفكرة هي أن تستخدم قوة كافية لتدمير مناطق تجمع «الزومبي» الكبيرة، ثم تحديد مناطق وأعداد الباقين منهم لمطاردتهم. في النهاية، عندما تنتهي حالة الطوارئ، ستعود الحكومة إلى ممارسة سلطاتها المدنية المعتادة. رائع كل ما سبق، لكنه يدفعنا للتساؤل: لماذا لم يظهر لنا فيلم «ذا ووكنغ ديد»، أو الجثث المتحركة، قوات عسكرية على قيد الحياة؟ فمن غير المعقول أنهم جميعاً قد قضي عليهم في كمين مثلاً. لكن بحسب ما ورد في خطة المواجهة بالموقع الإلكتروني، هناك بعض المشكلات بالنسبة للجيش.
أولاً، إن تحديد أماكن تمركز القوات يتطلب استخبارات دقيقة، وهو ما ليس متاحاً في هذه الحالة بسبب عنصر المفاجأة. وتنصح الوثيقة الواردة بالموقع بأنه في أسوأ السيناريوهات المحتملة، يتعين الاعتماد على عامة الناس، لأن جاهزية الجيش من ناحية مخزون الطعام والشراب لن تكفي سوى 40 يوماً فقط، ولن يكون بإمكان الجيش الأميركي توفير المؤن لأكثر من تلك الفترة، ولذلك فصموده أولاً، بعد ذلك يأتي دور الشعب.
بالإضافة إلى ذلك، بحسب الوثيقة، لا توجد مرافق عسكرية محصنة للتصدي لهجمات «الزومبي»، وطائرات «القيادة والسيطرة» ستكون في أمان، لكن بعد أيام ستتعطل عمليات التزود بالوقود. ويقترح واضعو خطة المواجهة أن تلجأ الطائرات إلى مناطق أخرى مثل جزيرة هاواي أو جزر المحيط الهادي، لكنهم يبدون متفائلين في تحقيق ذلك.
في فيلم «الحرب العالمية Z»، الرواية وليس الفيلم، يهرب كثير من قادة العالم، ومنهم الرئيس الأميركي، عبر البحر. تبدو فكرة غزو كائنات «الزومبي» أبعد من أن تحدث، لكن حال حدث ذلك، فإن الناجين (الذين صدقوا احتمالية 0.0088 الضئيلة وإمكانية البقاء 100 يوم)، سيتصرفون مثل هؤلاء الصحافيين الذين بدت عليهم الدهشة من العاصفة الثلجية، وأنها جاءت أسوأ من المتوقع، وسيكون همهم الأوحد تحديد على من يلقون باللائمة. الله أعلم.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»