جو نوسيرا
TT

«فيسبوك» في مواجهة غضب كبار مؤيديها

كتب الصحافي التكنولوجي ديفيد كيركباتريك مؤخراً يقول: «لم يحدث من قبل أن كان لفشل شركة واحدة ذلك التأثير المدمر على مستوى العالم». وأضاف يقول: «وجد العنصريون، والمستبدون، ومروجو الفوضى، البيئة المثالية عبر (فيسبوك) لنشر السموم وتطبيعها في عقول الناس، واكتساب مزيد من الأتباع، في حين أن المجتمعات في أرجاء العالم كافة تترنح من العواقب الوخيمة جراء ذلك. وباتت الديمقراطية والسياسات تحت ضغوط مستمرة. وحتى الآن، ليست لدى (فيسبوك) أي وسيلة فعالة لمكافحة ذلك».
لا يمكن اعتبار ديفيد كيركباتريك أول الشخصيات التي توجه انتقادات لاذعة شديدة ضد شركة «فيسبوك». وفي هذه الأيام، يصعب كثيراً العثور على أي شخص لا يعمل لدى تلك الشركة ويمكنه تقديم دفاع متماسك ضد تلك الانتقادات.
في عام 2010، كان كيركباتريك من أبرز مؤيدي «فيسبوك»؛ لدرجة أنه ألّف كتاباً في عام 2011 من 385 صفحة بعنوان «تأثير (فيسبوك)». وهو يصور في كتابه الشركة بالقوة الإيجابية ويصف مؤسسها مارك زوكربيرغ بالشخص «المثالي» الأكثر اهتماماً بالربط والتواصل بين الناس، من شغفه بجمع الأموال.
أما اليوم، فقد صار كيركباتريك مصاباً بإحباط شديد، وتحول إلى أحد أشد منتقدي «فيسبوك». ومن شأن روجر ماكنامي، أحد أكبر المستثمرين في عالم التكنولوجيا، أن يكون الشخصية البارزة التالية على هذه القائمة. وأذكر ماكنامي وهو يقول لي قبل سنوات كم إنه فخور للغاية لأنه أحد معلمي مارك زوكربيرغ. والآن، نراه يكتب المقالات الافتتاحية في الصحف والمجلات واصفاً «فيسبوك» بأنه نموذج للأعمال التي تشكل أكبر تهديد ممكن على «الصحة العامة والديمقراطية».
وفي هذه الأيام، يحجم ماكنامي عن مواصلة الهجمات الصحافية ضد الشركة لانشغاله بتأليف كتاب جديد يُنشر في أوائل العام المقبل حول شركة «فيسبوك». غير أن كيركباتريك لا يخضع لمثل هذه التقييدات، وكما علمت عندما زرته مؤخراً، فإنه كان يفكر ملياً في: لماذا تبدو شركة «فيسبوك» التي ألف الكتاب المؤيد لها قبل نحو 8 سنوات، مختلفة تماماً عن شركة «فيسبوك» الحالية؟
وفي رأيي، كان الخطأ الرئيسي الذي وقع فيه كيركباتريك هو أنه لم يكن متشككاً بدرجة كافية إثر موجة المثالية المكتسحة التي أحاطت بالشركة وقتذاك. وهو يقر بذلك بنفسه حين قال: «كنت ساذجاً للغاية، وشرعت في تأليف الكتاب ظناً مني أن (فيسبوك) من الأدوات الباهرة التي تمنح الناس العاديين المقدرة على إحداث التغييرات السياسية المعتبرة».
ورغم أن الأمر سبق اندلاع انتفاضات الربيع العربي بعام كامل – التي تمثل ذروة النشاط السياسي المستوحى من «فيسبوك» – فإنه كان هناك بالفعل كثير من الأمثلة الواضحة على مساعدة «فيسبوك» المواطنين الذين حاولوا مواجهة سلطات بلادهم وتحديها.
أما بالنسبة إلى زوكربيرغ نفسه، فقد كان يبلغ من العمر 22 عاماً عندما التقى كيركباتريك معه للمرة الأولى. وذلك عندما قال له الصحافي المخضرم إنه يبدو كرئيس مجلس إدارة بالسليقة، فتلعثم زوكربيرغ متمتماً: «لم أكن راغباً قط في إدارة أي شركة»، وسرعان ما استطرد قائلاً: «بالنسبة لي، إن العمل من أفضل الوسائل المعتبرة في إنجاز المهام».
وبعد بضع سنوات، عندما كان كيركباتريك ينقح الكتاب، تحدث زوكربيرغ كثيراً حول فوائد التواصل وتمكين الناس؛ بأكثر مما كان يتحدث عن جمع الأموال.
فهل هذا حقاً ما كان يدور بخلد زوكربيرغ في تلك الأثناء؟ ليست هناك من وسيلة حقيقية لمعرفة الإجابة. ثم استمع الآخرون ممن كانوا حوله وهو يتفوه بالكلمات نفسها التي كان يحلو له الحديث عنها أمام كيركباتريك.
وهكذا، ومن زاوية كيركباتريك الشخصية، لم يكن من الحتمي أبداً أن يطغى الجانب السلبي «لربط العالم بعضه ببعض» على الجانب الإيجابي. وبدلاً من ذلك لفت الانتباه إلى نقطتين رئيسيتين؛ أولاً: حدث تعيين المديرة التنفيذية في «غوغل» شيرل ساندبيرغ في منصب مسؤولة العمليات الرئيسية لدى شركة «فيسبوك».
وفي عام 2008، وبعد فترة وجيزة من انضمام ساندبيرغ إلى فريق «فيسبوك»، خرج زوكربيرغ في رحلة خلوية طويلة. ورغم أنه عيّنها في ذلك المنصب بالأساس بسبب خبرتها في الإدارة – فقد كانت كبيرة الموظفين لدى لاري سومرز عندما كان وزيراً للخزانة – فإنها نجحت أيضاً في بناء قطاع الإعلانات لدى شركة «غوغل». وكانت شركة «فيسبوك» قد بدأت في خسارة الأموال في تلك الأثناء.
وشرعت ساندبيرغ في عقد سلسلة من الاجتماعات تحت عنوان كبير يقول: «ما نوع الأعمال التي نقوم بها هنا؟» وكانت الإجابة، في خاتمة المطاف، أن شركة «فيسبوك» تعمل بالأساس في مجال الإعلانات. وتجني الشركة أرباحها من خلال مشاركة وتقاسم البيانات التي تجمعها حول المستخدمين مع الشركات والجهات الإعلانية التي تسعى لاستهداف أولئك المستخدمين بالإعلانات الموجهة.
وأخبرني كيركباتريك قائلاً: «لقد نجحت في بناء أنجح نموذج للأعمال في تاريخ الشركة. ولكنها تتحمل أثقل الأوزار في ذلك أيضاً» لإنشاء نموذج الأعمال الذي يسهل كثيراً إساءة استخدامه من قبل المصالح الروسية التي تحاول التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية.
وكان الحدث الثاني الذي استشهد به كيركباتريك، والذي نشره بعد خروج كتابه إلى الملأ، هو صعود شركة «تويتر»، ولقد قال عن ذلك: «كانت (فيسبوك) أول نظام يمنح الناس شعوراً واهماً بأن محتوياتهم محمية وآمنة. وكنا نشعر بالمصداقية من خلال الأشخاص الذين نتواصل معهم عبر هذا النظام. وكنا نسمح للأصدقاء فقط بالاطلاع على المعلومات الشخصية. كان النظام آمناً».
ولكن، كما يقول كيركباتريك: «عندما ظهر (تويتر)، شعرت (فيسبوك) بالضغوط تزداد لكي تتحول إلى نظام عام مبتعدة عن الخصوصية الأولى، وبالتالي يكون للمستخدمين مزيد من قوة البث في المجال العام، تماماً كما كانوا يفعلون على (تويتر). ولكن مع ازدياد خروج (فيسوك) إلى المجال العام، فقدت الشركة بوصلتها الأساسية وابتعدت عن الدوافع الأولى لإنشاء الشركة، والتي كانت تتعلق بمنح المستخدمين المساحة التي يمكنهم التحكم فيها والسيطرة عليها».
أشعر كما لو أن هناك حدثاً ثالثاً يستحق الانتباه وساهم كذلك في تغيير وجهة «فيسبوك»؛ وهو استحداث موجز الأخبار على خدمات الموقع، والذي، من بين أمور أخرى، قدم للمستخدمين قائمة بمستجدات الأخبار على مدار اليوم. وكان موجز الأخبار في «فيسبوك» هو المنفذ الذي تمكن من خلاله أنصار اليمين المتطرف، وغيرهم كثيرون، من إغراق «فيسبوك» بالمعلومات والأخبار المزيفة والمضللة.
وكما قلت من قبل، وكما أكد كيركباتريك عندما التقينا، كان «النمو المستدام» هو الأولوية الدائمة لدى شركة «فيسبوك»؛ حتى بعد ظهور المشكلات التي تتطلب أكثر من مجرد الإسعافات الأولية العادية لإصلاحها على الموقع. وتصوروا لو أن «فيسبوك» قررت عدم إضافة خدمة موجز الأخبار. وتصوروا لو أن الشركة التزمت نوايا التأسيس الأصلية: أي المنصة التي يمكن لمختلف الأشخاص التواصل من خلالها مع أصدقائهم. ربما لم تكن الشركة لتتحول إلى أكثر الشركات إدراراً للأرباح على مستوى العالم، ولكنها لم تكن لتواجه الادعاءات من كل مكان بأنها صارت مجرد أداة لدى الحكومات الاستبدادية هنا وهناك.
قال لي كيركباتريك عن ذلك: «أردت للشركة النجاح وأن تتحول لأداة فعالة من التمكين والتحرر، وزيادة مجال الحريات والفرص المتاحة. ومع اندلاع انتفاضات الربيع العربي، شعرت بأن هذا الحلم قد تحول إلى حقيقة». غير أنه أضاف قائلاً: «مع السعي المتصل للنمو على مستوى العالم، بدا من الواضح بالنسبة للشركة، التي تُدار بصورة جيدة للغاية، أنها لن تعمل بنجاح كمثل وسط المدينة الذي يضم 190 شركة. وكم كنت أود أن أتحلى بمزيد من بعد النظر حول كل ما يمكن أن يحدث. ولكنني أعتقد أيضاً أن الشخص الذي تحول إلى ملياردير من خلال العمل هناك يحمل من المسؤولية قدراً أكبر بكثير مما أتحمله وحدي».

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»