طالبت وكالة لرعاية الأطفال في ولاية ساوث كارولينا من إدارة الرئيس دونالد ترمب الحكم بأحقيتها الدستورية في التمييز ضد الآباء غير البروتستانت والوالدين ذوي التوجهات المثلية (من الذكور والإناث) بموجب ضمانات الحريات الدينية المنصوص عليها في التعديل الدستوري الأميركي الأول.
سوف يشعر بعض المسيحيين الإنجيليين بالانزعاج الشديد إن فشلت الوكالة المذكورة في الحصول على الإعفاء من قواعد مكافحة التمييز على أساس ديني، حتى يتسنى لها الحصول على التمويل الفيدرالي. ولكن بعض الجماعات الدينية الأخرى، ناهيكم عن ذكر اتحاد الحريات المدنية الأميركي، سوف تتوجه إلى القضاء في حالة تمكن الوكالة من الحصول على الاستثناء المنشود. والمسائل القضائية ذات الصلة مفعمة بالكثير من التعقيد، وليس من الواضح تماماً من سوف يكسب أو يخسر هذه المعارك.
تقع وكالة «ميراكل هيل» في إحدى مناطق ولاية ساوث كارولينا، وهي تعتبر واحدة من وكالات الرعاية البديلة المرخص لها والمتعاقدة مع حكومة الولاية لوضع الأطفال في منازل جماعية ثم ربطهم بالآباء بالتبني.
ووفقاً لتقرير إخباري مميز من صحيفة «غرينفيل نيوز» المحلية، فإن الوكالة تحظى بميزانية تبلغ أكثر من مليون دولار في السنة المالية التي انتهت في يوليو (تموز) 2017، ونسبة 47 في المائة من الميزانية تأتي من وزارة الخدمات الاجتماعية في ولاية ساوث كارولينا. ونسب معتبرة من هذه الأموال تأتي من الحكومة الفيدرالية.
ووفقاً لموقع الوكالة، كانت «ميراكل هيل» توظف عائلات الحضانة المسيحية منذ عام 1988.
ومن الناحية العملية، فإن ذلك يعني أن الوكالة لا تعمل مع اليهود، ولا الكاثوليك، ولا المسلمين، ولا الملحدين، ولا مع أي شخص من ذوي الارتباطات الجنسية المثلية ذكراً كان أو أنثى. وتقول الوكالة على موقعها إن بناءها الهيكلي متدين على نطاق كبير، وأن موظفي الوكالة يمارسون الطقوس الدينية في مواعيدها المحددة. كما ينخرط الأطفال في المنازل الجماعية التابعة للوكالة في الممارسات الدينية المعتادة لديها.
وفي العديد من الولايات الليبرالية التي أثيرت فيها هذه القضية، اضطرت وكالات الرعاية الكاثوليكية، التي ترفض توفير الخدمات للآباء أو الأمهات ذوي التوجهات المثلية، إلى إيقاف عملياتها بدلاً من الامتثال إلى قوانين الولاية التي تحظر التمييز على أسس دينية. وفي يوليو، على سبيل المثال، رفضت إحدى المحاكم الفيدرالية توجيه الأمر لوزارة الخدمات الإنسانية في ولاية فيلادلفيا بالاستفادة من خدمات وكالات الرعاية ذات الارتباط الديني والتي لا تعمل مع الأزواج من نفس الجنس.
غير أن ولاية ساوث كارولينا مختلفة تماماً. فإن الوكالات التي تعتمد في التمويل على الحكومة الفيدرالية لا بد وأن تمتثل للوائح والقواعد الفيدرالية، وبخلاف ذلك تضطر الولاية إلى تحويل الأموال إلى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الفيدرالية. وهذا هو السبب وراء الطلب الذي رفعته وكالة «ميراكل هيل» وولاية ساوث كارولينا من الوزارة الفيدرالية بشأن منح الإعفاء الخاص بها.
وجزء مما يجعل القضية ذات منحى استثنائي أن وكالة «ميراكل هيل» لا تعتمد التمييز ضد الآباء والأمهات المثليين فحسب، كما تفعل العديد من الطوائف الدينية الأخرى، وإنما لا تتعامل مع أي شخص كان ليس بروتستانتياً ملتزماً من الناحية الدينية.
من الناحية السياسية، فإن هذا يعني أن الإعفاء المطلوب يستلزم من إدارة الرئيس ترمب ليس مجرد الموافقة على التمييز ضد المثليين، وإنما استعداد الإدارة أيضاً لتوفير التمويل لوكالة غير مستعدة لوضع الأطفال لدى الآباء الذين يخشون الرب أو ينكرون وجود الرب من مختلف الطوائف والجماعات الدينية الأخرى.
ومن حيث المبدأ، ليس هناك فارق كبير في الحقيقة بين رفض وضع الأطفال مع الآباء والأمهات المثليين وبين رفض وضعهم لدى الآباء والأمهات الكاثوليك، أو اليهود، أو المسلمين. وفي كلتا الحالتين، فإن وكالة الرعاية المسيحية تلك تقول إنها لا تشعر بالارتياح إلا عند وضع الأطفال لدى أناس يتفق نمط حياتهم مع ما تعتقد الوكالة أن الرب يطلبه من كافة البشر.
ومن المعروف أن وكالة «ميراكل هيل» أقل تعلقاً بقضية توحيد الطوائف والكنائس من الجمعيات الخيرية الكاثوليكية الأخرى.
رؤيتي تقول إنه لا ينبغي منح هذا الإعفاء على الإطلاق. وهناك أسباب وجيهة للقواعد الفيدرالية المعمول بها والتي تنص على أن الحكومة الفيدرالية لن توفر التمويل للبرامج التي تمارس التمييز بصورة خاطئة.
يجب منح الحق للجماعات الدينية ممارسة التمييز على أسس دينية، عندما يتعلق الأمر بمَن يحق له الانتماء إلى كنائسهم وتجمعاتهم الدينية من عدمه. ولكن إذا كانت تلك الجماعات سوف تحصل على الأموال الفيدرالية بهدف توفير الخدمات العامة للمواطنين، فمن المعقول مطالبتهم بالتوافق والامتثال إلى القيم المجتمعية العامة الأوسع نطاقاً بشأن التمييز.
ولنتصور مدى الفجاجة والفظاظة التي سوف تشيع بين ربوع المجتمع إن رفضت وكالة «ميراكل هيل» توفير خدماتها للأطفال الملونين أو ذوي الأصول الأفريقية.
فإذا قررت إدارة ترمب منح ذلك الإعفاء، برغم كل شيء، فقد يكون مسموحاً لها من الناحية القانونية منح ذلك الإعفاء. فلقد سمحت المحكمة العليا الأميركية بالإعفاءات على أسس دينية من متطلبات فيدرالية وعلى مستوى حكومات الولايات في الماضي. ولقد أيدت المحكمة العليا أيضا قانون استعادة الحريات الدينية لعام 1993، والذي يمنح إعفاءات الحرية الدينية بشأن المتطلبات الفيدرالية التي تفرض عبئاً ثقيلاً للغاية على الممارسات الدينية، وليس هناك سبب مقنع لدى الحكومة لعدم منح الإعفاء وفق السابقات القانونية سالفة الذكر.
ومع ذلك، فمن الممكن أيضاً القول بأن منح الإعفاء من شأنه أن يعتبر انتهاكاً لفقرة من فقرات الدستور الفيدرالي التي تحظر «مأسسة الدين».
نظرا لأن الإعفاء الممنوح فقط إلى وكالة «ميراكل هيل»، الجمعية البروتستانتية الملتزمة، يتيح لها التمييز على أساس مذهبي ضد غير البروتستانت، ومن ثم المصادقة شبه الرسمية على اعتماد مذهب معين دون غيره.
ومن غير الدستوري أن تبعث الحكومة الفيدرالية برسالة إلى بعض المواطنين مفادها أنهم من المتنفذين، ومن أعضاء المجتمع ذوي الأفضلية بناء على مذهبهم المختار، وبرسالة أخرى إلى مواطنين آخرين تفيد بأنهم من المنبوذين وغير المفضلين.
والسبيل الوحيد للالتفاف حول هذه المعضلة هي أن يكون إعفاء إدارة ترمب عاماً وليس خاصاً، وينسحب تطبيقه على أية وكالة للرعاية الاجتماعية ترغب في التمييز على أساس معتقداتها الدينية الخاصة. ولكن ذلك يعني السماح للوكالات بالتمييز الفعلي على أساس العرق، شريطة الزعم بأن الدين يتطلب ذلك.
والنتيجة النهائية هي عدم منح الإعفاء بالكلية. فإن السواد الأعظم من وكالات الرعاية المسيحية تجد في ضمائرها أنه ينبغي وضع الأطفال مع أفضل الآباء والأمهات الموجودين، بصرف النظر تماماً عن معتقداتهم الدينية.
ولا ينبغي بإدارة الرئيس ترمب منح وكالة «ميراكل هيل» الحق الخاص في التمييز.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»