جوليان لي
TT

إلى أي مدى سيصل مفعول «العقوبات الأقوى في التاريخ»؟

بحلول منتصف الليل، بدأ سريان عقوبات أميركية جرى تصميمها بهدف خفض الصادرات النفطية الإيرانية إلى مستوى الصفر. ومع هذا، فإن التوجه الصارم الذي أبداه الرئيس دونالد ترمب بادئ الأمر بدأ في التراخي مع اقتراب الموعد النهائي. وحصلت دول قلصت مشترياتها النفطية من إيران إلى مستوى الصفر بالفعل على إعفاءات تتيح لها شراء النفط الإيراني، مما يعني احتمالات ارتفاع صادرات النفط الإيرانية، وليس انخفاضها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
يأتي ذلك رغم أنه سبق وصف العقوبات بأنها «العقوبات الأقوى في التاريخ»، وأنها ترمي لمنع إيران من تصدير أي نفط على الإطلاق. إلا إن الحقيقة لم ترقَ لمستوى الضجة المثارة حول العقوبات، ذلك أنه خلال الأشهر الستة التي سبقت السريان الكامل للعقوبات التي فرضها ترمب ضد إيران، بدا تأثير العقوبات مشابهاً بدرجة لافتة لتلك التي فرضها سلفه عام 2012.
ومع اقتراب الموعد النهائي لسريان العقوبات في نوفمبر الحالي، بدا واضحاً أن المشترين الذين وافقوا على تقليص مشترياتهم من النفط الإيراني قد يفوزون بإعفاء من العقوبات. في أغسطس (آب) الماضي، قال مستشار الأمن القومي المعاون لترمب، جون بولتون، إن هذه الإعفاءات ستكون «قليلة وبينها مسافات واسعة». ومع هذا، اتضح هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة وافقت على إعفاء 8 دول من العقوبات وسمحت لها باستمرار استيراد النفط الإيراني.
لا تزال التفاصيل المتاحة بخصوص الاتفاق في هذا الشأن قليلة، رغم أن وزير الخارجية مايك بومبيو كان قد وعد بالكشف عنها (اليوم) الاثنين. وتتضمن الدول الثماني الصين والهند، أكبر جهتي شراء للنفط الإيراني، وكذلك عدد من الحلفاء المحوريين لأميركا داخل آسيا؛ على رأسهم اليابان وكوريا الجنوبية. كما سيجري السماح لتركيا بالاستمرار في شراء النفط الإيراني، لكن هذا التساهل لا يمتد إلى أوروبا. ومن غير الواضح بعد المعدل الذي سيتعين من خلاله مراجعة الإعفاءات وإعادة التصريح بها، أو حجم التقليص الذي سيتعين على جهات الشراء إقراره في مشترياتها من النفط الإيراني لتجنب التعرض لعقوبات.
يذكر أنه في ظل قيادة الرئيس باراك أوباما، استمرت الإعفاءات مدة 6 أشهر، وكان يجري تجديدها إذا نجحت الدول المعنية في تقليص مشترياتها بنسبة 20 في المائة تقريباً خلال هذه الفترة. ومن المتوقع أن تكون الشروط على الدرجة ذاتها من الصرامة في عهد ترمب.
يتمثل واحد من الاختلافات الكبيرة عن القيود التي كانت مفروضة في عهد أوباما أن العقوبات التي أقرها ترمب تغطي صادرات المكثفات؛ وهي نمط خفيف من النفط المستخرج من حقول الغاز الطبيعي. وقد زادت أهميتها مع تنامي استخراج إيران الغاز الطبيعي من حقل جنوب فارس الذي تتشارك فيه مع قطر. إلا إن الصادرات من المتوقع أن تتراجع مجدداً مع ازدياد عملية المعالجة داخل معمل تكرير جديد يرمي لمعالجة السوائل من أجل الاستخدام المحلي.
الملاحظ أنه منذ مايو (أيار) الماضي، اتخذت غالبية المشترين المعنيين بالنفط الإيراني توجهاً حذراً. مثلاً، أوقفت كل من فرنسا وكوريا الجنوبية مشترياتها في يونيو (حزيران) الماضي، وتبعتهما إسبانيا واليابان في سبتمبر (أيلول) الماضي. كما خفضت تركيا مشترياتها بمقدار النصف تقريباً مقارنة بالصيف الماضي، بينما أقرت إيطاليا واليونان تخفيضات مشابهة.
وبعد قفزة في مطلع الصيف، تراجعت الصادرات للهند. أما الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، فلم تقلص مشترياتها بعد، رغم إصدار الحكومة أوامرها لشركتين نفطيتين على الأقل تابعتين للدولة بتجنب شراء نفط إيراني.
ومن المحتمل أن تخلف الإعفاءات تأثيراً سلبياً بالسماح لمعامل تكرير في كوريا الجنوبية واليابان باستئناف شراء كميات محدودة من النفط الإيراني في نوفمبر الحالي. ومن الممكن أن تصل هذه الكميات بسهولة إلى ما يقدر بـ300 ألف برميل يومياً، بالنظر إلى أن إجمالي مشتريات البلدين بلغت نحو ضعف هذا الرقم منذ عام مضى. ومن المحتمل كذلك أن تعاود الشركات الصينية الحكومية الدخول للسوق الإيرانية. إلا إن هذا التعافي سيجري تعويضه جزئياً عبر مزيد من التراجع في المشتريات الأوروبية، لكنها شكلت أقل من 100 ألف برميل الشهر الماضي.
المؤكد أن قدرة إيران سوف تتعرض للتقييد فيما يخص الوصول للمال الناتج عن هذه المبيعات، ذلك أنه سيجري وضع المدفوعات في حسابات ضمان داخل الدول المشترية. ومع هذا، تظل الحقيقة أن ارتفاع الصادرات النفطية الإيرانية خلال الشهر الأول من العقوبات ليس النتيجة التي يأملها ترمب.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»