شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

مسببات الصراع السوري أسوأ الآن مما كانت في 2011

من غير المتوقع أن نرى نهاية للصراع الدائر في سوريا، الذي قلب منطقة الشرق الأوسط رأساً على عقب في السنوات الأخيرة. بالتأكيد، فإن الوضع يبدو متغيراً وقد اتخذ أشكالاً متباينة، لكن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى اندلاع الفوضى بعد عام 2011 ليست حاضرة حتى اللحظة فحسب، بل باتت أسوأ مما كانت عليه.
ومنذ ظهور تنظيم داعش الإرهابي عام 2014 - وبسبب ظهوره - تجاهل المجتمع الدولي كله الأسباب الجوهرية التي أدت إلى نشوب الصراع الدائر في سوريا. إن الاستمرار في تجاهل أسباب الصراع، سواءً بسبب حالة الإنهاك السياسي، أو بسبب الأولويات التي قد تبدو أكثر إلحاحاً في مناطق أخرى من العالم، أو بسبب القنوط من إمكانية تغيير الديناميكيات العسكرية، لن نرى نهاية له ولن نجد من يحمينها من تداعياته. كذلك فإن محاولة «إخراج بشار الأسد من مخبئه» في هذه المرحلة ستكون عواقبه أسوأ.
إن تسارع وتيرة الدمار في سوريا، والانقسام الحاد في المجتمع، وبقاء الديكتاتور الذي لم يترك جريمة في كتب جرائم الحرب إلا وارتكبها، واعتماده على إيران واستراتيجيتها الطائفية المناطقية، من شأنه أن يخلق بيئة خصبة للمتطرفين لسنوات كثيرة مقبلة.
إن الجماعات المتطرفة على اختلاف مشاربها ونهجها الفكري، بدءاً من «القاعدة» و«داعش»، وانتهاء بـ«حزب الله» و«فيلق القدس»، وحتى «حزب العمال الكردستاني»، جميعها يهدف إلى فرض الأمر الواقع. فإذا أُطلقت يدا الأسد ونظامه، ومُنح الفرصة لادعاء النصر، حتى من دون الاستناد إلى سياسة ذات مغزى، سوف تفهم إيران حالة التجاهل العالمي على أنها إذعان للأمر الواقع الجديد، الذي جعل منها قوة مهيمنة على الشرق الأوسط.
وما سيدفع بالأمور في اتجاه أسوأ هو أن الأمم المتحدة قد صُورت فعلياً على أنها كيان عاجز، نتيجة لإصرار روسيا على تكرار استخدام حق النقض (فيتو) لمنع أي آلية للمحاسبة. لقد ماتت العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة فعلياً منذ سنوات، على الرغم من أفضل محاولات ستيفان دي ميستورا للإبقاء عليها حية. والآن فقد أعلن ستيفان دي مستورا عزمه الاستقالة من منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ليترك فراغاً كبيراً وأسئلة عن مصير أي عملية سياسية سورية.
ومع مرور الوقت بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015، فقد اتضح أن جهود دي ميستورا مرتبطة بالشكل وبالقيود التي فرضتها روسيا. ومع مرور الوقت، اتجهت طاقة الأمم المتحدة نحو صياغة أحد أهداف موسكو، وهو تشكيل لجنة دستورية. وبعد ذلك بعام قرر نظام الأسد إعلان رفضه الكامل لتولي الأمم المتحدة لأي دور في اختيار أعضاء اللجنة، مما يعني الحكم بالموت على العملية برمتها، أو اعتبارها عديمة المعنى، في أحسن الأحوال.
إن الوضع الراهن أبعد من أن يعمل في صالح منطقة الشرق الأوسط، ولا يبدو أنه حتى مبعث قلق. فجيران سوريا فقط هم من سيعانون نتيجة لاستمرار حالة عدم الاستقرار. ومع مرور الوقت، وفي ظل استمرار التجاهل سيسوء الوضع. يبدو أن الأيام التي كنا نسمع فيها نداء «على الأسد أن يرحل» لن تعود، لأن الديناميكية العسكرية على الأرض لا يمكن أن تعود إلى الوراء. لكن هذا لا يعني تجاهل الحل السياسي الذي يُفتح فيه المجال للسوريين لتحديد طبيعة التسوية وتحديد مصيرهم ومستقبلهم.
لا يزال من الممكن تطبيق العدالة، خصوصاً إذا ما اتفقت حكومات دول الشرق الأوسط، التي استثمرت في الأزمة السورية بقدر كبير، وتجمعت مع حلفائها الدوليين للوصول إلى صيغة عملية سياسية جادة تدوم إلى الأبد.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد كان إصرارها على إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش هو ما يحدد مصير الملف السوري، والآن فإن ما يحدد مصيره هو الخوف من الدور الإيراني. ورغم أن لكلتا القضيتين أهمية استراتيجية كبيرة، فإنهما فقط أعراض للأزمة السورية، وليس سبباً لها. وهنا يجب أن ينصب كل تركيزنا على سوريا وعلى حقوق المواطنين السوريين، نظراً لأنهم وحدهم من يملكون حق تقرير مصير بلادهم، وهو ما سيمنع المزيد من عدم الاستقرار في سوريا.
إن تشكيل «المجموعة الصغيرة» التي تضم المملكة المتحدة والولايات المتحدة والسعودية ومصر والأردن وفرنسا وألمانيا، في حد ذاته، يعد خطوة أولى إيجابية. إن بيانات الدعم الصادرة عن تلك المجموعة لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ولمنع أي تفاقم للوضع، ولتشكيل اللجنة الدستورية، والعمل على الوصول إلى تسوية سياسية تؤدي إلى إجراء انتخابات عادلة وحرة، جميعها تتضمن الكثير من الأهداف، لكن الشيء المفقود هنا هو خريطة الطريق. كيف تعمل المجموعة الصغيرة على تحقيق أهدافها؟ إذ إنه لا يكفي أن نضغط على روسيا لتمهد الطريق أمامنا. فموسكو صممت آلية «منع التفاقم» في سوريا، وهو ما امتدحته حكوماتنا لما تضمنته من تأثير إنساني، غير أن هدفها الحقيقي الوحيد هو إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية. ولذلك فإن السؤال الأهم هو هل روسيا حقاً تمتلك الإرادة والقدرة على الدفع بالعملية السلمية في سوريا إلى الأمام؟
لذلك كله نقول إن الإيمان بمصداقية وقدرة موسكو على تحقيق أهدافنا في سوريا أمر ينطوي على قدر من السذاجة. عملياً، يعني ذلك أننا نفتقد إلى سياسة خاصة بنا.
لقد حان الوقت لـ«المجموعة الصغيرة» للاتفاق سوية على صياغة سياسة ذات مغزى حقيقي في سوريا، سياسة لا تهدف إلى تحقيق الهدف فحسب، بل إلى انتقاء الوسيلة أيضاً.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»