د. محمد علي السقاف
كاتب يمنى خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية حاصل على دكتوراه الدولة في القانون عن منظمة «الأوابك» العربية من السوربون ماجستير في القانون العام ماجستير في العلوم السياسية من جامعتي باريس 1-2. له دراسات عدة في الدوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية - الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

شمس ساطعة وضبابية الموقف في الأزمة اليمنية

رغم صفاء الطقس وشروق الشمس يومياً في أغلب أنحاء اليمن فإن المواقف السياسية من الأزمة اليمنية يكتنفها كثير من الغموض والضلال الداكن، وبالمفارقة العجيبة أن عواصم الدول التي يخيم عليها طقس قاتم وغائم كعاصمة الضباب لندن، تبدو الرؤية لديهم واضحة أكثر من المعنيين مباشرة بسبل ووسائل وضع حد للحرب اليمنية ورسم مستقبل اليمن في فترة ما بعد نهاية الحرب.
وما إثارة المآسي الإنسانية في التقارير الدولية لحقوق الإنسان إلا إحدى الأدوات المستخدمة في سبيل إظهار الدول الكبرى أمام الرأي العام الدولي أنها متمسكة بقيمها الإنسانية ومبادئها الأخلاقية، في الوقت الذي تشجع فيه الأطراف المتصارعة بعقد صفقات بيع الأسلحة لها بمليارات الدولارات.
إنها لعبة دولية خطيرة تعمل على ترك الأوضاع في اليمن في حالة لا حرب حاسمة ولا بداية إرساء أسس سلام دائم، وحتى لو توصلت الأطراف المعنية إلى شبه سلام في اليمن فستعمل على أن يكون ذلك دون حل جذري للأزمة، ونوعاً من الهدنة لسنوات قليلة، وتعود الأمور مجدداً وبشكل أعنف إلى إشعال حرب جديدة لفرض حالة من عدم الاستقرار، لأن السلم والاستقرار يعني أن تتفرغ دول المنطقة بما تمتلكه من ثروات هائلة ومواقع جيو - استراتيجية رئيسية إلى بناء اقتصادات قوية تدخلها ضمن قائمة دول حديثة التصنيع كالنمور الآسيوية.
والمشهد الدولي الحالي بتقاسم النفوذ بين الدول الكبرى يعود بالذاكرة إلى اتفاق «سايكس بيكو» الذي يحمل اسمي وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا والذي من المفترض الآن إطلاق اسم آخر له ليشمل كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، وجميعها من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، يتمتع كل منها بحق الفيتو للاعتراض على أي قرار يهدف إلى المساس بمصالحها الاستراتيجية.
فالأزمة اليمنية منذ بدايتها وهي محصورة في نطاق مجلس الأمن الدولي الذي تسيطر عليه الدول الخمس الدائمة العضوية، ومما يؤسف له أن السلطة الشرعية اليمنية لم تسعَ إلى دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للمساعدة في حل الأزمة اليمنية بعدم تركها حكراً على مجلس الأمن الدولي، فقرارات مجلس الأمن، وعلى الأخص القرار المحوري رقم 2216 الذي تضمن أجزاءً من حلول للأزمة اليمنية لم يجرِ عملياً تطبيقه، مما يخلق مفارقة صادمة بقرارات أخرى لمجلس الأمن الدولي والخاصة بالعراق، مع أنه في الحالتين العراقية واليمنية وضع البلدين تحت الفصل السابع من الميثاق الذي استخدم في الشأن العراقي وجمد استخدامه في الحالة اليمنية؟
في هذه الأثناء تقتضي اللعبة الدولية إشغال الأطراف المعنية مباشرة في الأزمة على المستوى اليمني وعلى المستوى الإقليمي بقضايا ليست ذات صلة مباشرة بالحرب والسلم في اليمن.
فقد عادت الشرعية إلى محاولة عقد جلسة لمجلس النواب اليمني لبحث مواضيع لم يفصح عن طبيعتها بعد توفر النصاب القانوني لانعقاد المجلس الذي خطط في فترة سابقة عقده في عدن العاصمة المؤقتة لليمن، وحالت الأوضاع الأمنية دون اجتماعه ويحتمل انعقاده في مدينة المكلا في حضرموت في جنوب اليمن.
يذكر أن النسخة الأخرى لمجلس النواب المستمر في الانعقاد بصنعاء يمارس نشاطه من دون توفر النصاب القانوني لاجتماعاته من أجل إضفاء الشرعية لسلطة الأمر الواقع للحوثيين على اليمن الشمالي، وفي هذه الأثناء يعمل السيد غريفيث المبعوث الأممي لليمن على مواصلة تنقلاته المكوكية بين صنعاء ومسقط في سلطنة عمان، وحاول عند وجوده مؤخراً في الرياض لقاء الرئيس هادي الذي كلف نائبه علي محسن الأحمر بالاجتماع به نظراً لامتعاضه من مساعي المبعوث الأممي ودعوة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مشاورات جنيف المقبلة.
ويبدو أن الرئيس هادي يتوجس من تكرار تجربة الحوثيين معه في صنعاء بإمكان انقلاب بعض الجنوبيين عليه في عدن وتحدث مواجهات جنوبية - جنوبية، وفق ما أشار إليه الرئيس اليمني في خطابه المتلفز الذي ألقاه بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ55 لثورة 14 أكتوبر (تشرين الأول) ضد الوجود البريطاني في الجنوب.
في الخلاصة، من الواضح أن استمرار الوضع الحالي كما هو من دون حسم عسكري ينهي الحرب أو سلام يقبل به جميع الأطراف، يزيد ضبابية موقف جميع الأطراف، رغم إشراقة الشمس في المنطقة.