مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عندما تحولت إلى شاعر

كيف يريد بعض الناس أن يَمدحوا فلا يُوفقون في المدح، أو يُجاملوا فلا يُوفقون في المجاملة، وينقلب جهدهم ونيتهم الحسنة في النهاية إلى طامة كبرى على رؤوسهم؟!
في أحد المجالس كنت مجرد مستمع لرجل صادق أراد أن يجامل ابن أحد رجال الأعمال، فانطلق بالحديث واصفاً والده وهو يقول عنه «إنه ما شاء الله مثل الفيل».
وران صمت عميق على الحضور عندما سمعوا هذه الكلمة غير المتوقعة، خصوصاً أن رجل الأعمال الذي يتكلم عنه كان بالفعل سميناً ومكتنزاً جداً ولديه بعض مواصفات الفيل، وخاصة أنفه الطويل المدلدل.
فتطلعت بدوري إلى وجه الابن لأرصد وقع هذه الكلمة عليه، فرأيت وجهه متغضناً ومحتقناً، ويبدو أن الرجل المتكلم أحس أنه رمى بقنبلة، وأن لسانه قد خانه في التعبير. فقال مفسراً وصفه «إنني عندما قلت إن والدك كالفيل، أقصد أنه مثله في ضخامة الجسم».
ويبدو أنه أراد أن «يكحلها فأعماها»، وقبل أن يستأنف كلامه، سرت بين الحضور بعض الهمهمات التي تشوبها بعض الضحكات الخافتة، فيما ازداد تغضن وجه الابن واحتقانه رغم أنه سيطر على أعصابه.
واستمسك الرجل نفسه وقال «أقصد أن والدك إنما هو أشبه ما يكون بالفيل القائد الذي يسير في طليعة قطيع من الأفيال. وعندما يصل هذا القطيع إلى جسر ما يتوقف، ولا يتقدم إلا أقواها وأشجعها وأذكاها، فيبدأ الفيل القائد باختبار الجسر بإحدى قدميه الأماميتين، ثم بقدمه الثانية، ثم يختبره بقدميه معاً، وإذا بدا له أن الجسر على ما يرام، لا يتكل على ذلك نهائياً، ولكنه زيادة منه في الحيطة يستدير معطياً الجسر مؤخرته، ويختبره مرّة ثانية بقدميه الخلفيتين، وإذا تأكد من صلابته وأمانه، رفع خرطومه لبقية الأفيال علامة على أن كل شيء جاهز. وبعدها يتنحى هو جانباً، ويترك بقية قطيع الأفيال تعبر قبله أولاً، وإذا شاهد أحداً منها قد خاف أو تلكأ وتردد، ضربه بخرطومه على قفاه وأجبره على التقدم. وهذا هو بالضبط ما يفعله والدك مع بقية التجار ورجال الأعمال، وأكبر دلالة على ذلك أنه تبوأ مركز رئيس الغرفة التجارية، وذلل لهم الكثير من الصعاب، وضحى من أجلهم كثيراً».
وبعدها صمت الرجل. وأعتقد أن في وصفه شيئاً من الصحة، فهو ذكرني بالبيت الشهير...
أنت في الوفاء كالكلب
وكالتيس في قراع الخطوب
ولو أن لديّ قدرة بالشعر لقلت في حضرة رجل الأعمال ذاك...
أنت في البدانة كالفيل
وكالبنك في كنز النقود!