فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

حوار الأمير... رؤية تنموية شاملة

حوار «بلومبيرغ» مع الأمير محمد بن سلمان رسم المسار الذي اختارته السعودية على المستويات السياسية، والدفاعية، والتنموية، والاجتماعية. الرؤية بدت واضحة وناصعة؛ السعودية تخط طريقاً مختصراً للعبور نحو الزمن. السير البطيء الذي كان لم يعد قائماً اليوم. مشروعات ضخمة. تفسير مستنير للدين والشريعة. دراسات مستفيضة لتحقيق جودة الحياة. الاستغناء التدريجي عن النفط من خلال مشاريع موازية... كل تلك الأمور تضمنها الحوار المهم، وإذا كان من خلاصة لكلام الأمير بمجمله فإنها عبارة واحدة: الوقت يمرّ، لا مجال لمضيعته من أجل أنماطٍ تاريخية.
الأمير تحدّث عن القوانين المتعلقة بالوصاية على المرأة قائلاً: «إذا ما ألقينا نظرة على الوضع في فترة السبعينات، فإننا سنجدُ أنهُ يختلف عن وضعنا اليوم. وإنْ لم أكن مُخطئاً، فإن قانون الوصاية قد وُضِع في عام 1979. والآن نحنُ ننظر في القوانين التي وُضِعت بعد عام 1979. حيثُ نتباحثُها مع مُعظم أعضاء هيئة كبار العُلماء لنرى ما هو إسلاميّ منها، وما ليس بإسلامي في هذا المجال. وأنا أعتقد أن هُناك فُرصة في هذا المجال». ومعلوم في أدبيات السياسة الشرعية أنه في موطن الخلاف رأي الحاكم يرفع الخلاف، ويتحوّل ترجيحه لقولٍ ورأي فقهي بمثابة النظام، نصّ على هذا بشرح مستفيض القرافي في «الفروق»، والماوردي في «الأحكام السلطانية»، وابن تيمية في «الفتاوى»، وجمع غفير من الفقهاء غيرهم. وعليه فإن تحقيق المصلحة مطلب إداري، وهذا يشخّصه الحاكم ليدفع برأي يحقق مقاصد دنيوية للناس حتى وإن عارض آراء فقهية أخرى حتى ولو أيّدها الجمهور أو الأكثرية الساحقة، فالمصلحة مقصد تشريعي.
إن الجانب الاجتماعي في حديث الأمير محمد بن سلمان يبيّن الوعي الاستثنائي لمتطلبات العيش في هذا العصر المتغير والمخيف، العالم يسير بسرعة البرق، ومن دون مواكبةٍ لهذا النمو المذهل فإننا سنظلّ ساكنين في غياهب التاريخ. يضيف ولي العهد: «سوف نحاول القيام بما في وسعنا، وأعتقد أن لدينا خطة جيدة لتحقيق ذلك دون الانتقال من القوانين والدين الذي ترتكز عليها السعودية. نعتقد أن الدين الإسلامي هو النموذج ونعتقد أيضاً أن المتطرفين يحاولون نقله إلى الجانب الخاطئ، ولكن أعتقد أننا حققنا الكثير في السنة الماضية مقارنةً بما حُقق في الثلاثين سنة الماضية. لذا، إذا نظرت إلى هذه السرعة، فسترى أن المسألة هي مسألة وقت فقط».
لقد مر وقت طويل على السعودية كانت فيه الخطوات بطيئة، وذلك استناداً إلى مراعاة سياسية للمجتمع بسبب تقاليد سائدة، ولكن المجتمع الآن يشهد تحولاتٍ كبرى؛ نسبة المبتعثين العالية، والمتخصصين بالدراسات المتنوعة، والطائفين السائحين حول العالم، وهذه عوامل تجعل السياسي أكثر قدرة على التحديث الشجاع، والذي تمثله رؤية الأمير للسعودية خلال السنوات القادمة. إنها خطة بمثابة معجزة، ولكنه قادر على تحقيقها. نسمع يومياً عبر المنصات ووسائل الإعلام ثرثرات من المثبّطين الزاعقين الراغبين شماتةً أن تفشل السعودية بطريقها، ومن هؤلاء من يزعمون أن لديهم قضايا وطنية أو قومية بينما هم فئة من التيارات الخشبية المنقرضة التي أكل عليها الدهر وشرب، حتى «القضية» المزعجة التي صمّوا آذاننا بها انصرف عنها كل العالم ولم تعد ذات قيمة على الإطلاق. من هنا ضرورة الاهتمام بقضايانا الوطنية، مؤمنين برؤية ولي العهد الدؤوبة الشجاعة والواقعية في الوقت نفسه.
وأوضح الأمير ضرورة السرعة في إنجاز المهام: «هدفُنا في المملكة العربية السعودية هو أن نكون دولة مُنافسة. وعلى سبيل المثال، لدي مؤسسة (مسك) وكُنت وما زلت أحاول على مر الأشهر الماضية تعيين مُدير تنفيذي جديد؛ مُدير تنفيذي غير سعودي. ولكنني لم أستطع، لأنهم (المُديرين التنفيذيين غير السعوديين) لا يُريدون العيش في السعودية، فهذه مُشكلة. والسبب هو أن جودة الحياة ونمط الحياة ليسا جيدين، وهم يُريدون العمل لأسبوع في مدينة دبي، والأسبوع الآخر في السعودية. بالله عليكم، ما الذي يحدث؟ لذا يتعين علينا تحقيق أفضل المعايير في أقرب وقتٍ ممكن، وذلك لضمان أنهُ من الممكن للناس العمل في بلادنا والمُضي قُدُماً وبناء بعض الأشياء في هذه البلاد».
إنه عصر آخر، ونوع مختلف من الطرح من رمزٍ سياسي بارع، يمكن لأي سعودي في ظلّ هذه الفوضى وازدياد الدول الفاشلة والساقطة أن يتباهى بأن ما يشغله فعلاً هو التنمية وكيفية الاستفادة من الأموال الطيبة التي أفاء الله بها على البلاد والعباد.