إميل أمين
كاتب مصري
TT

«مسك الخيرية»... شراكة الجيل اللامحدود

من على منصة الجلسة التي عقدتها مؤسسة «مسك الخيرية» ضمن إطار منتدى «بلومبرغ» العالمي للأعمال، وذلك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأيام الماضية، وتحت عنوان «التشويش بدافع الاستقرار... كيف يطبع الشباب الاقتصاد بطابعهم»، تحدث المستشار الرفيع القدر جوش شتاينر، بالقول إنه «ما من مؤسسة أخرى تتحرك بالسرعة والدراية الموجودة لدى (مسك) في القضايا المحيطة بالشباب».
لم يتجاوز الرجل في واقع الحال الموضوعية في وصف الدور الذي تقوم به «مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية»، المعروفة اختصاراً باسم «مسك الخيرية»، سيما أنها واحدة من المؤسسات القليلة في عالمنا العربي التي تفكر خارج الأطر التقليدية، وتتجاوز التابوهات الكلاسيكية في مجال الأعمال واستحداث الفرص، لتنمية المجتمع السعودي وإطلاق طاقات أفراده.
حين وضع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لبنات «مسك الخيرية»، كان الهدف الواضح في ذهنه أن الشباب هم القضية والشباب هم أيضاً الحل، وأنه لا نهضة حقيقية إلا عبر تمكين المجتمع من التعلم والتطور والتقدم في مجالات الأعمال، والمجالات الأدبية والثقافية والعلوم الاجتماعية والتكنولوجية، وذلك من خلال إنشاء حاضنات لتطوير وإنشاء وجذب مؤسسات عالية المستوى، وتوفير بنية تنظيمية جاذبة.
أفضل ما آمنت به «مسك الخيرية» وتقدمه بالفعل من خلال التلاحم مع المنتديات الاقتصادية الدولية كالمنصة الأخيرة في نيويورك، هو إتاحة الفرصة الكافية للتلاقي والتعارف، من خلال عقول واعية وإرادة صادقة، جميعها تعمل على جعل الغد السعودي والخليجي والعربي، أكثر إشراقاً، بالعمل الخلاق الإبداعي، لا بالتمحور حول النظريات الاقتصادية التقليدية والاتباعية. ونهضة الأمير محمد بن سلمان الذهنية هنا، خير دليل على ذلك النهج الذي يسعى للخروج من النظرة الضيقة لرؤية الاقتصاد الريعي، والتحليق في فضاءات ما بعد العولمة؛ شرط الاستغلال الجيد لقوى البشر، وكنوز البحر والبر والحجر.
في لقاء منصة نيويورك، كان لدى «مسك الخيرية» بشبابها وحضورها، مزيد من الفرص لإسماع أصواتهم للعالم، وبالقدر ذاته سماع أصوات شباب العالم وخبرائه الاقتصاديين، والسماع المتبادل هنا قيمة إيجابية خلاقة في ذاتها، وبخاصة أنه في كثير من الأحيان لا تصل الرسائل الإيجابية حول الفرص الخاصة بالشباب إلا إلى فئة قليلة منهم.
تسعى «مسك الخيرية» للأخذ بيد المبادرات والتشجيع على الإبداع، كما يقول الأمير محمد، بما يضمن استدامتها ونموها للمساهمة في بناء العقل البشري، ويؤكد كذلك حرص القيادة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على الاستثمار في رأس المال البشري، ودعم وتوفير البيئة المناسبة له، لينمو ويساهم في تمكين هذه البلاد الغالية من التقدم والتطور، واتخاذ الموقع المناسب لها الذي تستحقه.
بخطوات واثقة تستشرف المستقبل، تنطلق «مسك الخيرية» إلى فضاءات عالمية، سيما بعد أن وقعت اتفاقية شراكة استراتيجية مع الأمم المتحدة في نيويورك، تعتبر أول اتفاقية دولية من نوعها لدعم مشروعات الشباب حول العالم، من خلال تعزيز استراتيجية الأمم المتحدة للشباب، التي تم إطلاقها عشية انطلاق فعاليات الجمعية العامة.
لا ينتظر العرب الآن مبادرات الغير من أجل الخير، فلدى القيادات الواعدة، مثل ولي العهد السعودي، ما يكفي للاعتقاد الجازم بأن طرح المبادرات المستقبلية ورسم السياسات الوطنية، ينطلقان حكماً من الذات، ولا يمكن التعويل على الآخر مرة وإلى الأبد، وهذا هو مرد الاتفاقية الخاصة بـ«مسك الخيرية» مع الأمم المتحدة، إذ تجعلها أول شريك استراتيجي لدعم أعمال استراتيجية الأمم المتحدة المتعلقة بالشباب حول العالم، وذلك بهدف النهوض بواقع الشباب، وتعزيز مشاركتهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، عبر تفعيل دور 50 مليون شاب وشابة بحلول عام 2030.
«مسك الخيرية» تفكر بعزم وتعمل بحزم، وتمضي في طريق واضح الخطى لتحقيق التكامل في هذه الجهود، بمؤازرة الجهود المبذولة من كافة المؤسسات والجهات لتحقيق هذه الرؤية، وبخاصة أن المؤسس يرى أنه إن أعطى الله - عز وجل - الإنسان السلطة أو المال أو المعرفة، فإن عليه أن يسخّر ذلك في الاتجاه الصحيح، ويعمل على ضمان الجهود التي يبذلها وأن يكتب لها الاستمرارية.
ولعل القارئ العابر يتساءل: «وما الذي تضيفه مثل هذه الاتفاقية للشباب السعودي الكائن بعيداً في قلب المملكة؟».
الجواب واضح في جنباتها، إذ تهدف الاتفاقية إلى تنفيذ كثير من المبادرات النوعية والبرامج لخدمة شباب السعودية والعالم أيضاً، ومنها إطلاق بوابة إلكترونية تكون مركزاً للمعرفة، حول أهداف التنمية المستدامة؛ بحيث تصبح هذه البوابة منصة مهمة لتحفيز الشباب، وتعريفهم بالمشروعات والمبادرات المطروحة، وكيفية المشاركة فيها وتنفيذها، وإطلاعهم على الفرص المتاحة للتطوع في عدة مجالات.
يلفت النظر في «مسك الخيرية» مع جرأتها وإقدامها على الدخول بقوة الواثق في الكيانات الدولية، أنها تمثل أول منظمة غير حكومية تعمل على المشاركة لتنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة للشباب: «شباب 2030»؛ ما يعني أن رؤية الأمير محمد بن سلمان للمملكة 2030، تتعزز بالفعل على الصعيد العالمي، من خلال شراكات تمكن الشباب السعودي في الداخل والخارج، ليكونا الجناحين اللذين تحلق بهما المملكة حول العالم. وفي هذا بيان للناس وللدول العربية بنوع خاص، يوضح وبجلاء منقطع النظير الفارق بين أن تكون مؤسسات المجتمع المدني رافعة سياسية وطنية خلاقة لخدمة الأرض والشعب، وبين أن تكون خنجراً في الخاصرة، كما بينت تجارب مؤسسات أهلية في بلاد أخرى خلال العقد الماضي.
الأيام والأعوام المقبلة هي زمن «شراكة الجيل اللامحدود» بحسب استراتيجية المؤسسة الأممية التي باتت «مسك الخيرية» شريكاً فيها شراكة حقيقية، تسعى لترجمة هذا الزخم إلى أعمال سياسية وثقافية، اقتصادية واجتماعية، لبلورة فرص استثمارية فاعلة، ترفع من شأن مستويات الحياة، وتدفع الشباب لبناء مظلة حقيقية تمنع غوائل الفقر والجهل والمرض، تطردها بعيداً، وتوفر بدلاً عنها الوفرة والعلم والصحة.
الغنى والفقر في حاضرات أيامنا منوط بالقيادات الشابة، وعليها أن تختار ما بين الفلسفة القرآنية للتعارف وتعظيم فرص الاستفادة من الآخر والتعاون معه، ضمن حدود «أمنا الأرض»، وبين البقاء في أطوار الانعزالية والإقصاء وشهوة الدم القاتلة.
أحلى الكلام: «مسك الخيرية»... شمعة مضافة في حقل التنوير العربي والأممي.