مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أحْلقها والاّ ما أحْلقها؟!

شن بعض النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي بإحدى الدول العربية، حملة تدعو لـ«إطلاق مليون لحية»، قبل حلول شهر رمضان المبارك القادم.
المهم أنني ما إن قرأت ذلك، حتى بدأت أحسّس بخجل على وجهي (المزلوق اللحية).
وإنني أعترف أن إطلاقها هي سنة محببة، كما أنها عنوان للرجولة الحقّة.
وبعد أن وصلت إلى هذه المرحلة من الخشوع والاقتناع أخذت أفكر وأمعن التفكير، واتجهت لا شعورياً إلى البحث والتنقيب عن تاريخ (اللحية) العتيدة تحديداً.
ووجدت أن للحية أنصاراً وأعواناً يُخلصون لها ويحترمونها، فهي عندهم علامة الرجولة، لأن الصبي أو الخَصيّ لا لحية لهما، والمرأة الملتحية تعتبر ساحرة ومخلوقاً عجيباً غريباً، وكان الناس في العالم القديم ينظرون إلى اللحية كشيء مقدس، فإذا شاءوا أن يحتقروا رجلاً أمروا بنتف لحيته كما فعل يوحنا عندما زار آيرلندا في سنة 1185، إذ أمر بنتف لحية كل رجل عاصٍ متمرد فيها.
غير أن هناك من المسيحيين القدماء من يدعون إلى حلقها وحجتهم في ذلك هي: لكي لا يستخدم الكاهن لحيته للزينة، ولا ينفق أكثر أوقاته في مداعبتها بأصابعه، ولكي لا يعوقه شعر عارضيه أيضاً عن تناول الكأس المقدسة.
ومعروف أن أهل آشور وبابل يطلقون لحاهم إلى أقصى مداها، بل ويزينونها بالخيوط الذهبية، وهذا ما نشاهده في آثارهم، بعكس الفراعنة، وقد جاء في الكتب القديمة أن يوسف، عليه السلام، كان إذا أراد أن يدخل على الفرعون لا بد أن يحلق لحيته وشاربيه ويعطّر وجهه.
ويقال إن أهم انتصارات الإسكندر الأكبر هو حلق لحى جنوده عندما أمرهم بذلك، وحجته من هذا العمل: لكي لا يستطيع جنود العدو أن يمسكوهم من لحاهم ويقودوهم صاغرين. وهذه من وجهة نظري حجة منطقية، خصوصاً إذا كان طولها يزيد على شبر ونصف كاملة، عندها تتمكن القبضة من شدها بعنف.
واستمررت في القراءة والبحث والتقصي في هذا المجال الحيوي لعدة أيام دون أن أمسك بموسى الحلاقة بيدي، إلى أن فاجأني الوقت واكتشفت أنه لزاماً عليّ أن أحضر مناسبة لا بد من الذهاب إليها، وما إن شاهدتُ وجهي في المرآة حتى أرتج عليّ من هول ما شاهدت من سوء المنظر أو المنقلب، فاستدنت لا شعورياً الموسى (وحلقت أبو جد جدها).
غير أنني ما زلت أراوح في مكاني، وما زال ضميري يلعب معي لعبة (الاستغماية): أحلقها والاّ ما أحلقها؟! أطْلقها والاّ ما أطْلقها؟!