علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

وكر الفساد

تقول حكاية عربية إن شعباً عربياً تذمَّر من الفساد فأراد الرئيس أن يصلح الفساد القائم ويحد منه، نزولاً على رغبة الشعب وحفاظاً على كرسيه، الرئيس أقال الوزارة وعين رئيساً جديداً لمجلس الوزراء وقد اختاره بعناية فائقة إذ إن هذا الرئيس من المشهود لهم بنظافة اليد.
أمر رئيس الدولة رئيس وزرائه بأن يختار الوزراء بعناية شرط أن يكونوا من المشهود لهم بالنزاهة. رئيس مجلس الوزراء الجديد اختار وزراءه بعناية فائقة، وسمَّى كل وزير لوزارته وقدم قائمة الوزراء لرئيس الدولة.
اطلع رئيس الدولة على قائمة الوزراء ووجدهم من المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة. اتصل الرئيس برئيس مجلس الوزراء المعيَّن وقال له، هؤلاء نظيفون جدا وهم من سيقومون بمحاسبتي، ولن أستطيع محاسبتهم، لكنني أقترح عليك أن توسخهم وتأتي بهم لنستطيع محاسبتهم.
لا أعرف إذا كانت هذه الحكاية حقيقة أم أنها أسطورة أريد بها تشخيص الواقع ولكنها في النهاية تجسد الحقيقة، وعالمنا العربي يعج بالفساد ورغم ضخامة الموارد، فإن معظمها مهدَر، ولو وجهت الموارد التوجيه الصحيح لرأيت عالمنا العربي أفضل حالاً من الآن.
الفساد أنواع مختلفة ولكن ما يهمنا في هذا المقال فسادان؛ الفساد الأول مالي والآخر إداري، فالفساد المالي يتجسد في تحويل جزء من مخصصات الوزارة المالية إلى جيوب كبار مسؤوليها ويكون ذلك بعدة طرق منها قبول الرشوة من مقاولي مشاريع الوزارة، وغالباً ما تكون هذه الرشوة محددة مثل أن تكون 10 في المائة من قيمة العقد أو أن تكون أقل أو أكثر، وهنا يرسى المشروع بأكثر من قيمته وتكون رقابة التسلُّم أقل كفاءة، المهم أن ينتهي المشروع ويقبض المسؤولون عمولتهم ويقبض المقاول حصته.
ومثل هذا الفساد يخلّ بالعملية الاقتصادية، إذ إنه يطرح الكفاءة جانباً ويعتمد على كم تدفع مما يخرج مؤسسات المقاولات أو الموردين الأكفاء من السوق ويبقى ما نسميه «تجار الشنطة» الذين لا ضمير لهم ولا رادع أخلاقي.
وهناك الفساد الإداري المتمثِّل بتعيين غير الأكفاء في مناصب قيادية المهم أنهم مطيعون وينفذون الأوامر وهذا يخلط الأوراق ويجعل غير الكفء يتصرف بعشوائية وبيروقراطية وتعطيل لمصالح العباد دون وعي منه، أو بوعي، فالمهم لدية هو إرضاء رؤسائه.
لو تخلصنا من هذين الفسادين أظن أن عالمنا العربي سيكون أقوى اقتصاداً وسينمو اقتصاده؛ لأن مصلحة الوطن ستكون أكبر من مصلحة جيب المسؤول.
العالم العربي بدأ يستشعر الخطر وبدأ كبار مسؤوليه يحاربون الفساد بلا هوادة بغية أن يزدهر الاقتصاد، وأن يكون القانون سيد الموقف لا جيب المسؤول.