وكأن العالم الحر ليس لديه ما يكفي ليقلقه بشأن الأخبار الروسية الزائفة، فها قد دخل زعيم الدولة الراعية للإرهاب العالمي إلى المشهد لتشن بلاده إيران حملة للمعلومات المغلوطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبحجم أكبر من المتوقع.
إن نظرة فاحصة إلى حملة الدعاية كفيلة بأن تكشف نمراً من ورق. فطريقة تعامل إيران مع «تويتر» وأكاذيب «فيسبوك» وغيرهما من المواقع، تعوزها الحرفية والإتقان. فأي ساذج يثق بمعلومات واردة من مصدر يدعى «ليبرتي فرونت بريس»، وتعني «منصة الصحافة الحرة»، أو يصدق أن المعارضة البريطانية لها موقع خاص يسمى «Britishleft.com»، لا بد من أن يكون صيداً سهلاً لأصحاب الحيل والألاعيب.
لنبدأ بنوعية الدعاية، فبحسب تقرير عام صدر عن مؤسسة الأمن الإلكتروني «فاير آي»، فقد فشلت عملية صياغة الأكاذيب الإيرانية في حبك القصة، حيث إن القائمين على موقع «ليبرتي فرونت بريس» غيروا حساباته عبر موقعي «تويتر» و«إنستغرام» إلى «بيرني كراتس» الصيف الحالي ليبدو أكثر أميركية. كذلك لم ينتبه الإيرانيون إلى تغريدة نشرت في مايو (أيار) الماضي وصفت السيناتور بيرني ساندرز بـ«المحرض على الإرهاب على الحدود مع غزة». وكشف التقرير أن تلك الصفحات والمواقع لم تكن تعيد نشر الأخبار نقلاً عن مواقع مشروعة فحسب، بل كانت تنشر مواد أصلية لكن بلغة إنجليزية ركيكة، وأحياناً تقوم بقص ولصق الأخبار من قنوات الدعاية الإيرانية مثل تلفزيون «بريس تي في».
وناهيك بعدم الحرفية والإتقان، فقد اتسمت الحملة بالإسهاب والإطالة المبالغ فيها. فبحسب مؤسسة «فاير آي» المعنية بالأمن الإلكتروني، لم تستهدف الحملة الإيرانية الانتخابات الفصلية العام الحالي في الولايات المتحدة، بل عملت على «تعزيز المصالح السياسية الإيرانية، ومنها موضوعات مناهضة لإسرائيل، ومساندة لفلسطين، وتعزيز مساندة سياسات أميركية معينة مؤيدة لإيران مثل الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني». ويستطرد التقرير بالقول إن مواقع الأخبار الأميركية الزائفة تضمنت «رسائل مناهضة لترمب». هل هذا كل شيء؟ بالتأكيد فإن شخصاً ما في النظام الإيراني عليه أن يدرك أن هناك بالفعل كثيراً من جماعات الدعوة في الولايات المتحدة التي تعارض الرئيس دونالد ترمب وتساند الاتفاق النووي الإيراني وتنتقد دولاً عربية بعينها وإسرائيل. وفي ما يخص الاتفاق النووي، هناك صندوق «بلاغ شيرز فاند» الذي يقدم المنح لشبكة جماعات ساندت الاتفاق النووي الإيراني في بدايته عام 2015 وحاولت إنقاذه عامي 2017 و2018.
هل تبحث عن الرسائل المناهضة لترمب؟ أنصحك بالحزب الديمقراطي. فكل الأصوات هناك ذات تأثير كبير في تحريك الرأي العام الأميركي يفوق بكثير ما تفعله حفنة من أشباه الأميين الذين يعملون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن مزيفي الأخبار من الدرجة الثالثة. لكن دعونا نُفِدْ الإيرانيين ببعض النصائح: أي حملة جيدة تتطلب سنوات وسنوات لبناء الثقة لدى الجماهير. ربما أن الخطة كانت بناء الثقة مع الوقت، وفي الوقت الصحيح تقوم بضخ كذبة ذات معنى ومغزى وسط طوفان الأخبار الموثوقة. مرة أخرى، فإن الطريقة التي أديرت بها هذه العملية كانت قليلة الحرفية والإتقان للدرجة التي لم تدرك معها أن شبكة مواقعها كانت دون المستوى. على سبيل المثال، فإن غالبية حسابات «تويتر» التابعة لموقع «ليبرتي فرونت بريس» كانت متصلة بأرقام هواتف يسبقها كود إيران.
وفي هذا الصدد، قال بن نيمو، الزميل في معهد «أتلانتك كاونسل ديجيتال فورنسيك لاب»، إنه من الواضح أن تلك العملية «لم تشكل خطراً حقيقياً وآنياً على الديمقراطية الأميركية»، وهذا هو المنظور الأهم. ودعونا نقارن حملة الدعاية والأكاذيب الإيرانية بالحملة الروسية التي أدارت شبكة للأخبار الزائفة والحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تمزيق الولايات المتحدة. فخلال الحملة التي جرت عام 2016، على سبيل المثال، أدار محترفو الإنترنت الروس حملتين متنافستين في توقيت متزامن وفي المكان نفسه؛ الأولى مساندة للمسلمين، والثانية مناهضة لهم في ولاية هيوستن (ومن حسن الحظ لم يتسبب ذلك في أي مواجهات فعلية على الأرض). وعلى النقيض، فإن حملة الدعاية الإيرانية تبدو كأنها تلعب فقط على اجتذاب الأميركيين المناهضين لبلادهم. وأياً كان الحافز، فالعملية رديئة بكل المقاييس وتافهة، ولذلك فالأخبار الإيرانية الزائفة لا تشكل تهديداً حقيقياً.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»