جمال الدين طالب
كاتب وصحافي في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

«عصا» الدولار!

عاد الجدل حول «ديكتاتورية» الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية، إلى الواجهة قبل أيام، مع دعوات وجهها مسؤولون فرنسيون حاليون وسابقون للبحث على مستوى الاتحاد الأوروبي عن سبل لتعزيز استخدام اليورو في الأنشطة التجارية العالمية في أعقاب فرض الولايات المتحدة غرامة ضخمة قاربت 9 مليارات دولار على بنك بي إن بي باريبا الفرنسي بسبب صفقات أجريت خارج الولايات المتحدة لكنها ارتكبت مخالفة بالتعامل مع بلدان يفرض عليها حظر أميركي مثل إيران والسودان وكوبا.
ولم تستطع الولايات المتحدة فرض تلك الغرامة القياسية إلا لأنها تتكئ على عصا عملتها الدولار.
رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ميشال روكار ندد في مقالة نشرتها صحيفة «لوموند» بما سماه «الاحتلال» الاقتصادي الأميركي، الذي يسمح لواشنطن بفرض تطبيق معاييرها خارج حدودها.
من جهته قال الرئيس التنفيذي لمجموعة توتال النفطية إنه ينبغي أن يكون لليورو دور أكبر في التجارة العالمية، ولكنه أقر بأن الاستغناء عن الدولار ليس واقعيا.
وظل الدولار الأميركي العملة الأكثر تداولا في العالم بعد فك ارتباطه بالذهب في عام 1971.
وكانت هناك توقعات بأن الوضع المهيمن للدولار سيكون موضع تهديد بإطلاق العملة الأوروبية الموحدة مع بداية عام 2002. لكن العملة الأميركية ظلت محافظة على هيمنتها برغم كل الأسئلة المطروحة حول مخاطر ذلك على الاقتصاد العالمي خاصة مع تفجر الأزمة المالية العالمية، التي كانت الولايات المتحدة «بيت الداء» فيها.
وبحسب إحصاءات تقديرية فإن الدولار الأميركي يشكّل حاليا نحو 86 في المائة من حجم التعاملات اليومية في سوق الصرف الأجنبي في العالم، والتي يبلغ حجمها خمسة تريليونات دولار يوميا، أما باقي التعاملات فتتم باليورو وبعملات أخرى، لعل أبرزها العملة الصينية اليوان. واللافت هنا أن لندن هي من يهيمن على سوق الصرف الأجنبي في العالم، حيث تتعامل العاصمة البريطانية مع كم من الدولارات يزيد مرتين على الولايات المتحدة وكمٍ من اليورو يزيد أكثر من مرتين على منطقة اليورو بأكملها. وتطمح لندن كذلك لتصبح مركزا عالميا لليوان بعد الاتفاق مؤخرا مع بكين لتصبح العاصمة البريطانية مركزا لتداول العملة الصينية.
ويرشح كثيرون اليوان لمنافسة الدولار كعملة احتياط عالمية مع النمو الاقتصادي الكبير، الذي تسجله الصين، والذي يرشحها لتجاوز الولايات المتحدة قريبا كأكبر اقتصاد في العالم، غير أن أسئلة واقعية وبنيوية حقيقية ما زالت تواجهها الصين وعملتها في هذا الصدد تجعل إمكانية أن يهز اليوان عرش الدولار في وقت قريب وتجعلها عملية بعيدة المنال.

[email protected]