محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

متى تتدفق مشاعر السعادة؟

كنت دائماً أردد أن هناك أعمالاً تولد سعادة فورية يجب ألا يخلو منها جدولنا اليومي، حتى قرأت دراسة في غاية الأهمية للباحث الشهير ميهالي كسيسنتميهالي، قدمت لنا دليلاً علمياً على أن تلك السعادة الغامرة التي تنتابنا في أثناء قيامنا بعمل قد يكون بسيطاً، هي في الواقع ترتكز على أمور محورية، وذلك بعد أن سأل وحلل إجابات نحو ألف شخص.
باختصار، تبين أن تلك المشاعر الجميلة التي تغمرنا أثناء عمل نستمتع به أو ما يسميه «لحظة التدفق» (flow) تعود إلى أن سعادتهم ترتكز إلى خمسة أسباب، وهي أن تدفق السعادة يحدث حينما ينغمس الفرد في عمل «محدد»، من «اختياره»، ويكون عملاً يتطلب «تحدياً» أو جهداً كبيراً، أو عملاً سهلاً لا يتطلب جهداً يذكر، شريطة أن يكون العمل عموماً «واضح الهدف»، ويحقق صدى، أو بالأحرى «ردود فعل فورية».
هذا الأمر ليس اكتشافاً؛ لأنه موجود منذ الأزل، وأشارت إليه ديانات وحضارات عدة بمفاهيم مختلفة؛ لكنني كباحث حينما يأتي شخص بهذا العمل العلمي المهم، لا بد أن آخذه على محمل الجد؛ لأنه وضع أمراً مهماً في إطار علمي رصين. من هنا بدأ عدد من التخصصات النفسية والتجارية في استخدام هذا المفهوم في منح الناس أعمالاً تحقق لهم هذه المتعة الخفية، التي لم يكن بعضنا يعرف مرتكزاتها.
ولحظة تدفق مشاعر السعادة، هي دليل على أن المرء يستطيع التحكم - أو الانشغال - بما يشعره بالسعادة، باستثناء حاجاته الفطرية كالجوع والعطش والألم. وحتى الطفل حينما ينزوي في غرفة المعيشة ليمارس لعبته الإلكترونية التي يتقنها، فإنه يتمتع بحالة تدفق السعادة. وأرى أنه ليس من الحكمة أن نقطع على الناس خلوة الاستمتاع بتلك اللحظات السعيدة، فقد يرجعون إلينا بعدها أكثر إقبالاً وتركيزاً ورغبة في التفاعل، أو على الأقل منحنا آذان صاغية.
وعليه، فإن هذه الدراسة دليل على أن الإنسان لا ينبغي أن يملأ جدوله اليومي بأعمال مرهقة، وينسى الموازنة بين العمل الشاق والمتوسط والبسيط، حتى يشعر بمتعة الإنجاز عند إتمام الأعمال اليسيرة. وكلما رأيت نحاتاً أو رساماً أو فناناً يتألق في لحظة إبداعه، ولا يكاد يشعر بمن حوله، تذكر أنه يعيش تلك اللحظة (تدفق السعادة).
ولحسن الحظ أننا - حتى في بيئات الأعمال - نجد من ينغمسون في العمل باستمتاع وتركيز، على نحو يثير إعجاب المراجعين والعملاء؛ بل حتى مديريهم وربما زملائهم. وهذا مؤشر أيضاً على أنه حينما نرى هؤلاء البشر «متململين»، أو يشعرون بالفتور في عملهم، فهذا أمر طبيعي؛ لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها.
خلاصة القول: إن السعادة ليست كلمة فضفاضة، فيمكن أن يولّد المرء شعوراً يومياً بالسعادة، إن طعّم جدوله اليومي المزدحم بأنشطة فيها متعة، وتحدٍّ، وشغف، وتولّد ردود فعل فورية. قد تكون هذه - مثلاً - خطوات يومية (tasks) في طريق إنجاز مشروع كبير يشار إليه بالبنان لاحقاً.
[email protected]