د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

حماية المستثمِر من المعلِن

مع اختلاف الأساليب التسويقية وكثرتها، إلا أن التسويق بواسطة المشاهير هو أحد أكثر الأساليب التسويقية المتبعة في وقتنا الحالي، وازداد هذا الأسلوب انتشاراً منذ أن تبدلت مفاهيم الشهرة بعد أن أصبح المقياس الأساسي هو عدد المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي باختلافها.
ويصرف كثير من الشركات ملايين بل مليارات الدولارات على الإعلانات بواسطة المشاهير تحديداً، وحسب الدراسات، فإن كل شركة من بين أربع شركات أميركية تعلن لدى المشاهير، وفي عام 2001 وحده، صرفت الشركات الأميركية الرياضية ما يقارب 897 مليار دولار مصاريف إعلانية لمشاهير ينقسمون ما بين لاعبين أو مدربين أو شخصيات رياضية. وفي عام 2003، صرفت شركة «نايك» الرياضية وحدها 1.44 مليار دولار في إعلانات تمت بواسطة المشاهير.
وقد لا تبدو هذه الإعلانات مستغربة للمنتجات الاستهلاكية، فالدراسات أثبتت التأثيرات الإيجابية لهذه الإعلانات على عوائد الشركات. ولكن المستغرب أن تمتد هذه الإعلانات لتصل إلى المنتجات المالية، مثل القروض الاستهلاكية والصناديق الاستثمارية والعملات الرقمية.
يثار الجدل حول إعلانات المشاهير للمنتجات المالية من عدة أوجه، يأتي على رأسها تأكد المتلقي لهذا الإعلان من عدم إلمام الشخصية المشهورة المعلنة بالمنتج المعلن عنه. ويتفاوت هذا التأكد بين الشك واليقين بين الإعلان والآخر، إلا أنه يظهر جلياً في بعض الأحيان، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ إعلاناً تظهر فيه ممثلة جميلة شابة معروفة بثرائها الفاحش معلنة -بابتسامة خلابة- عن قروض ميسرة وبفوائد منخفضة، ناصحة معجبيها بهذا القرض. هذا الإعلان وعلى الرغم من بؤسه، فإنه يدفع الكثير من معجبي هذه الممثلة نحو قروض لا تناسبهم بسبب ابتسامة ممثلتهم المفضلة والتي لم تحصل على قرض واحد طوال حياتها. إضافة إلى ذلك، حتى ولو كان بعض هؤلاء المشاهير على علم بهذه الخدمات، فإن استثمارهم فيها قد لا يشكل خطراً كبيراً عليهم بسبب ثرائهم، وليس الأمر سياناً للأشخاص العاديين الذين قد تتأثر جودة حياتهم في حال حصولهم على قرض غير مناسب أو دخولهم في استثمارات لا تتناسب مع إمكانياتهم.
وبسبب نجاح هذا الأسلوب التسويقي، فقد قامت شركة استثمارية أميركية كبرى مؤخراً بانتداب الممثلة إليزابيث بانكس لتسويق منتجات مالية للشركة، وعلى الرغم من أن قيمة هذه الشركة تتجاوز 2.7 تريليون دولار، مما يعني أنها لا تعجز عن ابتكار أساليب إبداعية للتسويق، فإنها اعتمدت بشكل أساسي على هذا الأسلوب.
ولم تكن هذه الممثلة وحدها من شارك في التسويق لمنتجات مالية، فقد سبقتها باريس هيلتون، والملاكم فلويد مايوذر، والممثل جيمي فوكس، في التسويق للاستثمار في الصناديق الاستثمارية والعملات الرقمية. وعلى الرغم من أن المذكورين قد لا يفقهون شيئاً في استثمار العملات الرقمية، فإن أجورهم الإعلانية كانت باهظة. وهو أمر اعتاده المعلنون لدى المشاهير، فعلى سبيل المثال، تتقاضى المغنية سيلينا غوميز ما يزيد على نصف مليون دولار لتنشر صورة واحدة على حسابها في «إنستغرام»، وينقص عنها قليلاً لاعب يوفنتوس كريستيانو رونالدو الذي يتقاضى 400 ألف دولار على كل إعلان في ذات الموقع.
وفيما تبدو إعلانات المشاهير للمنتجات الاستهلاكية منطقية بشكل كبير، ولكنها لا تبدو كذلك للمنتجات المالية التي تؤثر على جودة حياة المستثمرين بشكل خاص وعلى الاقتصاد بشكل عام، والدراسات تؤكد أن الكثير من المستثمرين يتأثرون بإعلانات المشاهير للمنتجات المالية، مما دعا هيئة الأوراق المالية الأميركية لتحذير المستثمرين من هذه الإعلانات، موضحةً أن وجود شخص مشهور أو ذي شعبية كبيرة قد لا يعني أن الاستثمار المعلن عنه استثمار آمن، وأنه ينبغي على المستثمرين الاستزادة عن الاستثمارات قبل الدخول فيها.
هذا هو الحال في العالم الغربي، أما في عالمنا العربي، فلا نزال في مرحلة متأخرة جداً، حيث لا يفصح الكثير من المشاهير في العالم العربي عن كون الصورة أو التغريدة إعلاناً حتى على المنتجات الاستهلاكية، فهو يمتدح منتجاً أو خدمة بشكل يبدو عفوياً، وهو في الواقع إعلان مدفوع الثمن، وبسبب إهمال الكثير من المؤسسات الرقابية، فقد ازداد الوضع سوءاً، حيث قام بعض مشاهير مواقع التواصل بنشر تغريدات تستهدف شركة مساهمة بعينها، دون الإفصاح عن كون هذه التغريدات مدفوعة الثمن، ودون النظر إلى نتائج هذا الاستهداف وتأثيره السلبي على المستثمرين في سوق الأسهم.
هذه التصرفات تضع المؤسسات الرقابية المالية على المحك، فهي المسؤول الأول عن حماية المستثمرين في أسواق الأسهم، ودون هذه الحماية، سواء في السوق المالية أو المؤسسات المالية والمصارف، فإن هذا القطاع المالي لن يتمتع بثقة المستثمرين والتي تعد دافعاً مهماً لنمو هذا القطاع.