حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

اقتصاد الفضاء!

لا تكاد تمر فترة إلا ويأتي خبر جديد عن تفصيل آخر بخصوص مشاريع الفضاء التجارية أو الوصول إلى كوكب المريخ بشكل اقتصادي. وبينما يرى البعض أن هذه الأخبار من «الهرطقات» والرفاهية المبالغ فيها، هناك من يرى على الجانب الآخر أن هذا موضوع في منتهى الجدية ويرسم ملامح المستقبل الاقتصادي بشكل مدهش وصادم. وتؤخذ هذه الأخبار بجدية إذا ما عُرف أن وراء معظم هذه المشاريع ثلاثة من أهم رجال الأعمال الناجحين حول العالم وهم أيلون ماسك مؤسس شركة «تسلا»، وجيف بيزوس مؤسس موقع «أمازون» للتسوق الإلكتروني وأثرى رجل في العالم حالياً، وريتشارد برانسون مؤسس شركة «فيرجن» للطيران. أطلق جيف بيزوس شركته «بلو أوريغن» بهدف الهبوط على سطح كوكب القمر في عام 2023، وأيلون ماسك من خلال شركته «سبيس إكس» يهدف إلى توصيل الناس إلى كوكب المريخ في عام 2024، وريتشارد برانسون يسعى جاهداً ليكون لاعباً رئيسياً على هذه الساحة هو الآخر.
هناك لغز هائل وكبير في تقدير حجم الاقتصاد المتوقّع من «اقتصاد الفضاء». في دراسة أصدرها مصرف «مورغان ستانلي» العام الفائت قدّر أن حجم هذا الاقتصاد سيتخطى التريليون دولار عام 2040، وتعتقد الدراسة أن المداخيل الأساسية ستكون من عوائد خدمات الأقمار الصناعية والصواريخ، وذلك في توقع لكثافة الطلب على «إنترنت الأقمار الصناعية» وتوصيل الطرود بالصواريخ، ولا تأخذ في عين الاعتبار الاحتمالات الأكثر طموحاً مثل السياحة الفضائية أو التعدين والمناجم في الفضاء أو الإسكان والزراعة هناك.
ويشبه الاقتصاديون هذه المرحلة بنفس ما مرت به دورات الاقتصاد من قبل خلال فترتي النقل البحري وانتشار الملاحة حول العالم ومساهمتها بشكل حيوي في تحريك الاقتصاد الدولي، وفترة انتشار شبكات السكك الحديدية حول العالم وكيف كان لها الدور الإيجابي المذهل في حراك البشر والبضائع وصناعة الملايين من الوظائف وتوظيف المال. والحجة التي لدى الفريق المتحمس لاقتصاد الفضاء اليوم هي أنه علينا بناء البنى التحتية، وسيكون للخيال بعد ذلك دوره في توظيف المال والبشر، لأن الضرورة تصنع المستحيل من الفرص.
ولكن هناك من يرى أن ما يحصل اليوم ما هو إلا «استعمار» و«إمبريالية» جديدة ومخالفة «للقانون»؛ ففي عام 1967 وبعد عشر سنوات من صاروخ «سبتنيك الأول» تم تفعيل اتفاقية الفضاء الخارجي التي نصت على أن كل رحلات الفضاء الخارجي هي لمصلحة الدول كافة بغض النظر عن وضعها الاقتصادي أو العلمي، وستكون لمصلحة الجنس البشري ككل. وحظرت الاتفاقية استخدام جميع أسلحة الدمار الشامل ولا ادعاء السيادة، وجعلت الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية تحمل مسؤولية الجهات غير الحكومية التي على أراضيها. وقتها كانت هذه الاتفاقية نتاج الحرب الباردة، وبالتالي هدفت إلى كبح جماح السباق النووي.
بعد رحلات «أبولو» المتعددة قامت الأمم المتحدة بصياغة اتفاق أكثر مثالية، اتفاق القمر في عام 1979، ولم يقم بالانضمام إليها إلا 18 دولة آخرها أرمينيا هذا العام. ولكن هذا اتفاق غير مفعَّل نظراً إلى انسحاب أميركا منه، لاعتراضها على بند أن القمر وموارده هما تراث عام للبشرية بدعوى أن هذا سيخلق نظاماً اشتراكياً عالمياً يعيق الاستخدام التجاري للقطاع الخاص الأميركي.. هذا التفسير هو حسب جمعية (L5)، وهي جمعية تضم المتحمسين لإنشاء أول مستعمرة على الفضاء ويبلغ عدد أعضائها 3600 عضو.
والذي يؤكد التحول الأميركي هو سلسلة القرارات التي حصلت بعدها، ففي عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان أسست وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» القسم التجاري فيها، وفي عهد الرئيس جورج بوش الابن أطلقت سياسة تركز على التعاون مع القطاع الخاص في أعمال الفضاء، وفي عهد الرئيس باراك أوباما أطلق هو قانون التنافسية التجارية للفضاء في أميركا والذي تضمّن حق ملكية أي مواطن أميركي لأي شيء يتم إحضاره معه من الفضاء، والذي اعتبره أحد الخبراء «أجرأ قانون ملكية فكرية في العالم»، وأخيراً قام الرئيس دونالد ترمب بإصدار قرار يسهّل بشكل واضح كل الإجراءات للشركات الراغبة في إطلاق الأقمار الصناعية أو الهبوط على النيازك أو بناء محطات تموين وقود على الكواكب.
لقد دخلنا عصر الاستعمار الفضائي بغطاء تجاري واقتصادي خاص. إنه عصر الخيال العلمي الخادم للأفكار الاقتصادية المدهشة. حقاً كما قالوا: القادم مذهل أكثر.