حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حدود ملتهبة بين الحرية والتقنية

الأسبوع الماضي كان سوداوياً بامتياز على «فيسبوك» و«تويتر»؛ ففي خلال ساعات بسيطة ومعدودة فقدت كلتا الشركتين أكثر من عشرين في المائة من قيمتهما المالية في سوق الأسهم، وذلك رداً في ما يبدو على تقارير وصفت بخروج جماعي للمشتركين والمتابعين من حسابات الشركتين.. ردة فعل لوجود حسابات وهمية وأنباء ومواضيع كاذبة لم تقم الشركتان بما يجب عليهما من مسؤولية مهنية وقانونية إزاء ذلك، ما عنى أن الأعداد قلت، وهذه الصناعة مثل غيرها من الشركات العاملة تعتمد بشكل أساسي على الكم والعدد، بالإضافة إلى كون هبوط قيمة سهم «فيسبوك» بأكثر من عشرين في المائة من قيمته هو الأعنف في تاريخ التداول لفقدان قيمة شركة من أسهمها في يوم واحد، إلا أن هناك اعتقاداً لدى عدد غير قليل من المحللين والمراقبين أن ما حدث يعتبر صحوة وردة إلكترونية، فهناك مسؤولية يضعها الناس العامة اليوم على منابر «فيسبوك» و«تويتر» و«واتساب» (مملوكة من «فيسبوك» هي الأخرى) وغيرها بطبيعة الحال بسبب انتقال الشائعات والأخبار الكاذبة وخلق الأجواء السلبية، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي والشخصي.
هناك حراك برلماني جاد جداً في بريطانيا يحمل المسؤولية القانونية والجنائية للمنابر التي يبث من خلالها الأخبار الكاذبة والتي تصبح بالتالي شريكة في تحمل مسؤولية أصل الخبر.
أيضاً يوجد اليوم حراك في غاية الأهمية في دوائر السياسة في الغرب ودوائر صناعة الإعلام فيها تحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الكف عن استخدام مصطلح «الأخبار الكاذبة» لما في ذلك من تهديد مباشر لمهنة الإعلام. وقد صرح بذلك أخيراً ناشر صحيفة «نيويورك تايمز»، حيث إنه قابل الرئيس ترمب وطلب منه ذلك بصريح العبارة، وهناك طلب من برلمانيي بريطانيا بحظر استخدام مصطلح «الأخبار الكاذبة» حينما يتم الحديث عن الإعلام والصحافة، لأنه يعتبر ذلك تهديداً صريحاً للديمقراطية والتشكيك التام في السلطة الرابعة إحدى ركائز حريات صناعات النقد والرأي العام والحقوق.
ناشر صحيفة «نيويورك تايمز» يرى أيضاً أن السلطات التنفيذية متى طغت سيكون ذلك على حساب السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وأولى الضحايا بالتالي ستكون السلطة الرابعة أي الإعلام الحر. ويستشهد بما يحصل الآن من دول فيها أشكال «ديمقراطية»، ولكن السلطة التنفيذية فيها تجنٍ وجبروت واستعداء مثل أميركا وروسيا وتركيا والفلبين على سبيل المثال، وهي جميعاً تعتبر بمثابة نذر خطر على الديمقراطية ككل ولا شك.
ما حصل من تراجع «حاد» لقيمة أسهم «فيسبوك» و«تويتر» قد يكون نداء إيقاظ أعمق وأهم وأكبر للمسؤولية القانونية والدور المسؤول المتوقع والمنتظر من شركات التواصل الإعلامي الجديد التي لن يسمح لها بزلزلة أعمدة الهيكل الحقوقي لديمقراطية الغرب المبني على الحريات والحقوق.
الرأسمالية في اختبار جديد أمام الحد من رأس المال المنفلت في مواجهة سقف الحدود والحريات، وكأن فصول مواجهة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون أمام الصحيفة العملاقة «واشنطن بوست» التي تسببت لاحقاً بعد ذلك في كشف فضيحة «ووتر غيت»، وبالتالي سقوطه من الحكم، تتكرر اليوم بفصول ثرية وعصرية مختلفة، ولكن التحديات نفسها.