حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

توم وجيري: الرأسمالية!

يبدو أن الدول الكبرى سنت سكاكينها للانتقام «المالي» من الشركات التقنية الكبرى، فبعد الحكم القاسي الذي صدر على شركة «آبل» للتقنية من قبل السلطات الآيرلندية بسداد خمسة عشر مليار دولار، جاءت الآن الغرامة المالية بقيمة خمسة مليارات دولار على شركة «غوغل» العملاقة، وذلك من قبل سلطات الاتحاد الأوروبي بحجة إخلال نظام تشغيل الأندرويد المملوك لـ«غوغل» لشروط مكافحة الاحتكار.
والآن مع وصول شركة أمازون للتجارة الإلكترونية إلى حجم هائل، وتخطيها لشركات منافسة أخرى لتكون أكبر شركة في أميركا وإحدى أكبر شركات العالم، أصبحت العين مركزة جداً عليها، وعلى مالكها جيف بيزوس ابن المهاجر الكوبي الذي أصبح اليوم أكثر الأميركيين، ثراءً متخطياً بثروته بيل غيتس ووارن بافيت.
أمازون كبرت بشكل أسطوري، وهي التي جاءت لأجل تقديم الخيار للمستهلك وكسر احتكار الأقوياء لمبيعات التجزئة، أصبحت المسؤولة بشكل مباشر عن إغلاق المئات من المتاجر الواحد تلو الآخر، وفي مواقع جغرافية مختلفة من حول العالم، حتى تحولت إلى غول يحد من نمو المنافسين، وباتت الشركة تحت أعين المشرعين الرقابية الدقيقة.
هناك قلق وريبة مستمران من مشرعي الغرب بخصوص مسألة الاحتكار والتاريخ يشهد بذلك، ولعل أول محطة بارزة في هذا الشأن كانت في أعقاب فترة الكساد الكبير في أميركا في نهاية العشرينات الميلادية من القرن الماضي، عندما قامت السلطات الأميركية بتفتيت الشركات «الكبرى» والعاملة في القطاعات المصرفية والطاقة وغيرها، إلى شركات متعددة وأصغر حجماً لخلق بيئة تنافسية جديدة، وهو الأمر نفسه والمنهج الذي قام بعمله واتبعه الجنرال دوغلاس ماكرثر، الذي قاد التحالف الغربي لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، عندما قام بتفتيت كل الشركات اليابانية الكبرى التي كانت معروفة باسم «السوجاشوشا»، لتصبح شركات مثل «متسوبيشي» و«سومبتومو» مقسمة إلى عدد غير قليل من الشركات الأصغر حجماً. ولعل المثال الأخير المشهور عن تفتيت إحدى الشركات الكبرى كان ما حصل مع شركة «آي تي آند تي» للاتصالات إلى شركات مختلفة بداعي الاحتكار غير العادل للمجال.
اليوم هناك «تحضير» سياسي بامتياز يجري لأجل وضع «أمازون» على مقصلة مخالفة الاحتكار، وخصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب «يصعد» الهجوم عليها عبر تغريداته العنيفة والساخرة، والتي اتهم فيها الشركة بالتهرب الضريبي، إلا أن موقف الرئيس الأميركي لا يمكن فصله عن موقفه المعادي لصحيفة الـ«واشنطن بوست» المعروفة بمواقفها الناقدة لسياساته وقراراته، وهي الصحيفة التي يتهمها «هي وغيرها» بأنها خلف ظاهرة الأخبار الكاذبة والصحيفة يتملكها جيف بيزوس مالك أمازون نفسه. هناك مخاوف محقة لدى شركات مثل «آبل» و«غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» من أن يطالهم «التفتيت» الناتج عن قرار مكافحة الاحتكار كعقاب لنموهم العظيم وقضائهم على المنافسة الحقيقية للمستهلك.
توحش الرأسمالية يكبح بالتأميم تارة وبالتفتيت تارة أخرى، ويشد لجامه بعقوبات مالية قاسية، حكومات اليوم باتت أشرس وأذكى في تتبع رأس المال ومنبعه، تارة باسم الحد من التهرب الضريبي، وتارة باسم الحد من النمو غير العادل. ولكن رأس المال بالإضافة إلى أنه جبان، قادر على إعادة التأقلم في هيئة جديدة. إنه صراع لا ينتهي بين رأس المال والمشرع.