كريستوفر بولدينغ
TT

حقيقة الحرب التجارية

مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وإقدام الرئيس دونالد ترمب على فرض تعريفات على الواردات الصينية البالغ إجمالي قيمتها 34 مليار دولار، يسعى كلا الجانبين إلى تصوير نفسه كضحية لخصم يتبع توجهات انفرادية دون رادع. في الواقع، كلاهما مخطئ: هذا النزاع في حقيقته يدور حول ما هو أكبر بكثير.
على مر الكثير من السنوات، اتبعت السياسة الخارجية الأميركية موقفاً قوياً نسبياً مؤيداً للصين. وكانت الولايات المتحدة من كبار مؤيدي انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، ولم تتخذ إجراءات مباشرة رداً على تلاعب بكين على امتداد فترة طويلة بقيمة اليوان. كما أيدت الولايات المتحدة قضية التنمية داخل الصين وحاولت دمجها في المنظومة العالمية الأوسع، رغم الانتهاكات الصينية في مجالات مثل الملكية الفكرية.
وطوال الوقت تمثل الهدف الأساسي أمام واشنطن في تجنب اندلاع صراع مع دفع الصين نحو الإصلاح وفتح اقتصادها ودمجه داخل نظام بني حول الأسواق المفتوحة والقيم الليبرالية.
ومثلما أوضح البروفسور بجامعة «برنستون»، آرون فريدبرغ، قريباً فإن «ترسخت جذور استراتيجية أميركا خلال فترة ما بعد الحرب الباردة إزاء التعامل مع الصين في الأفكار الليبرالية السائدة حول الروابط القائمة بين التجارة والنمو الاقتصادي والديمقراطية، وكذلك الإيمان بالعالمية المزعومة وقوة الرغبة البشرية نحو الحرية والتي لا يمكن مقاومتها. على الجانب الآخر، كانت الاستراتيجية الصينية ولا تزال تتحرك بدافع الحفاظ على احتكار الحزب الشيوعي الصيني للسلطة السياسية الداخلية».
ولو أن الصين تحولت إلى قوة اقتصادية متنامية بسرعة تحترم القواعد والأعراف الليبرالية، لكانت قد لاقت ترحيباً واسعاً. ورغم تورط أوروبا والولايات المتحدة واليابان في نزاعات طويلة الأجل ضد بعضها البعض، فإنها تتشارك في الوقت ذاته في تفهم لماهية القواعد الحاكمة بينهم وكذلك رؤية كبرى تسعى لخلق مزيد من الأسواق المفتوحة. في المقابل نجد أن الصين في واقع الأمر لا تشارك في هذه الرؤية، بل وفي بعض الأحيان تعرب عن ازدرائها لها. وتبقى هذه قضية جوهرية تخلق فجوة بين البلدين.
ولو أن إدارة ترمب دخلت المفاوضات بناءً على هذه الأسس، لكانت قد تمتعت بنفوذ كبير. في الحقيقة تكاد لا توجد أي دولة أخرى تشارك الصين رؤيتها بخصوص هذه القضايا، بينما من المحتمل أن حلفاء أميركا الكثيرين للغاية كانوا ليرحبوا بالعمل معها كجبهة موحدة إذا ما سعت واشنطن نحو فرض أهداف متناغمة.
بيد أنه للأسف يبدو أن إدارة ترمب فقدت البوصلة على هذا الصعيد، وركزت بدلاً عن ذلك على قضايا أخرى مثل العجز في الميزان التجاري بين البلدين وفرص العمل بمجال التصنيع. كما اعتادت إدارة ترمب الإشارة إلى الصين باعتبارها «منافساً استراتيجياً»، الأمر الذي خدم على نحو مباشر الخطاب الصيني. وفي مواجهة توجه أكثر حدة، تقول الصين الآن إنها لن تتفاوض بينما «ثمة سلاح مصوّب باتجاه رأسها» وتؤكد وسائل الإعلام الصينية الرسمية أن واشنطن تحاول الحيلولة دون صعود بكين. ورغم أن هذا الاتهام غير صحيح، فإن التوجه الذي اتبعه ترمب أضفى عليه مصداقية.
أما النبأ السار فهو أن كلا الجانبين يبدوان في حالة ترقب وتأمل ذاتي. من جانبه، منح ترمب «زد تي إي غروب» - التي تعرضت لعقوبات أميركية قاسية لخرقها عقوبات - استراحة مؤقتة على الأقل، في الوقت الذي تتفحص وسائل الإعلام الصينية مدى حكمة فكرة الأسواق المغلقة. ورغم التشاحن المعلن، يبدو أن الجانبين مدركان لأنهما يسيران إلى طريق مفعم بالخطر.
ومع هذا، لا يبدو في الأفق ثمة تسوية قريبة. ولو كان الخلاف القائم يدور فقط حول دعم المنتجات أو الدخول إلى الأسواق، ربما كانت التسوية لتكون ممكنة. بيد أنه في الحقيقة ثمة صراع خفي أعمق يدور حول القيم.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»