مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

نظام الملالي حمل معه الانشطارات الطائفية

بدأ الدخان والعنف يتصاعد في سماء طهران، ويتغشاها ليلُ ظلمٍ ماجت به مساحاتٌ من أرضها ونداءات شعب فقير. أربعون عاماً تحت وطأة حكومة غنية – استأثرت بكل شيء وتركت الشعب بلا شيء يترنح في أزماته واختارت طهران بملاليها طريق الإرهاب حتى غرقت في بحر الإرهاب.
واليوم تجد نفسها أمام ثورة الشعب وغضبةٍ في أوج حماسها ضد حكومة تحارب وتتوسع باسم الدين؛ حراك ومظاهرات كبيرة في قلب طهران نفسها، أسبابه اقتصادية وأهدافه سياسية للضغط على الحكومة للقيام بتغيير جذري بسياساتها العدائية والتخريبية إقليمياً وعالمياً وفتح صفحة جديدة على العالم، تبتعد فيها إيران كشعب وتاريخ عن تمويل الفتن والإرهاب والتحول لتمويل تنمية مجتمعها، فالإيرانيون ملوا الحصار وضاقوا بالعقوبات وقتلهم الفساد الذي سيطر من خلاله الملالي والحرس الثوري على مقدرات بلادهم وحضارة وطنهم.
منذ أربعة عقود، واستراتيجية إيران تهمش مؤسساتها الداخلية والمدنية وتبني من المواطن الإيراني دولة عدائية وشريرة في محيطها وتصنع عصابات دموية وثورية وتنصب الشباك لمن حولها، حتى غذت هذه السياسة الثورية الفوضى والنزاعات، وقطعت الصلة نهائياً عن مسؤوليات الوعي والعقل والمنحى الأخلاقي، فكثير من الأحداث يتجاهلها الفرد، ولكن غالباً ما ينزلق الفكر إليها قسراً ليتجه نحو بوصلة أخلاقية تعثرت عن تحديد الجهة التي تريد.
ولا يمكن للعالم أن يختم تلك المسرحيات بالصمت أو أن يكتفي بالمشاهدة، وإلا ستكون الحرب مصدراً لاحقاً للحياة، تتكرر كلما ازدادت الضبابية أو العزلة التي تفرضها الولايات المتحدة على ملالي طهران، وقد يتجاوز الأمر قائمة الأهداف، ويظل الناس يعانون من ضغوط حزبية أو طائفية حصدت من أجلها الأرواح، وأغرقت الأرض بالدماء وعرق الفقراء والمنكوبين.
وهذه الصور الحية تكلف الشعوب الكثير من الخسائر، فالحروب مرعبة ومفزعة، وقال عنها سون تزو الصيني في «فن الحرب» الذي احتوى على ستة آلاف مقطع وضم 13 فصلاً، كل فصل منها مكرس لإحدى خصائص الحرب، اعتبره العالم لفترة طويلة مرجعاً كاملاً للاستراتيجيات والوسائل العسكرية، حيث كان له تأثير ضخم على التخطيط العسكري. تُرجم في أوروبا قبل مائتي سنة، واستخدم الأميركيون وسائله في المناورات التكتيكية في حرب العراق، ولكن إيران بوسائلها وغاياتها تجاوزت محتوى هذا الكتاب بمراحل بجرائمها ومؤامراتها وديكتاتورية نظامها المجرم.
لا شك أن الظرف مواتٍ لكتابة مقال حرصت فيه على زج الأمثلة والاستشهاد بالقادة أو الفلاسفة بقدر ما أبرهن للقارئ بأن الحرب مهلكة وخسائرها أكبر من أهدافها، والتقلبات كبيرة في السياسة العالمية والعربية أمام مشروع السلام، فالسلطة والمال أفسدت أنظمة طهران وقطر وعملائهما في كل مكان.
في الحقيقة كان يجب إخماد ثورة ملالي طهران من بدايتها قبل دراسة تنظيم العلاقات وإدراك الرهانات والتحديات مبكراً لسياسة غير واضحة للمد الثوري، أمة تسعى للاستعمار الفارسي وزرع الصراعات على أراضٍ تحلم بالسلام، ولكن ضرورة فتح الملفات ومناقشة سلبيات التاريخ القديم وجواسيس التقنيات العصرية أظهرت للبشر عامة بشاعة المعاناة من آلام نفسية كبيرة من جراء الحروب، وكم هي مؤلمة وشاقة، لا تعد ولا تحصى... من نبكي ونندب؟ العراق أم سوريا أم لبنان أم دمار اليمن وتدهور اقتصاده من ميليشيات الحوثي؟ إيران شردت ملايين العراقيين والسوريين الفارين من حمم الأسلحة الفتاكة. إن إثم الحرب ضد التوبة.