ليونيد بيرشيدسكي
TT

الحل الأوروبي الجزئي للهجرة

إنْ فشلت القمة الأوروبية المصغرة ليوم الأحد التي تضم 16 من قادة الاتحاد الأوروبي، والمخصصة لقضية الهجرة، في تقديم أي حلول عاجلة فإنها تعكس أهم انقسام حالي والتحركات الفورية التي من المرجح للاتحاد الأوروبي اتخاذها قبل أن يتوصل إلى حل مشترك.
جاءت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى بروكسل بفكرة عقد صفقات منفصلة مع بلدان أوروبا الجنوبية، والتي يفد إليها أغلب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وذلك بهدف وقف ما بات يسمى الهجرة الثانوية – وهي حركة طالبي اللجوء السياسي من بلدان الوصول الأول إلى البلدان الغنية مثل ألمانيا. وهي من القضايا السياسية الساخنة في الداخل الألماني، حيث يرغب شركاء المستشارة الألمانية في الائتلاف الحكومي المشاكس في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، تحت قيادة وزير الداخلية هورست سيهوفر، في إبعاد «طالبي اللجوء» عن الحدود.
ووصل رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي إلى القمة بخطة من 10 نقاط يزعم فيها أن موجة الهجرة الثانوية سوف تحل نفسها بنفسها إنْ قلل الاتحاد الأوروبي من عدد الوافدين الجدد وتعامل بصورة مختلفة مع الأشخاص الذين يصلون إلى أوروبا.
وهذا هو خط الصدع الحالي في المناقشات الرسمية الأوروبية، وهو يكمن بين خطة رئيس الوزراء الإيطالي طويلة الأجل وفكرة السيدة ميركل قصيرة الأجل والتي هي مجبرة على اعتمادها حتى انتخابات ولاية بافاريا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل على أقل تقدير.
تعتمد خطة كونتي على بعض الإحصائيات المغلوطة؛ إذ تزعم الخطة أن العمل مع ليبيا والنيجر أسفر عن خفض مستويات المغادرة عبر البحر الأبيض المتوسط بنسبة 80% خلال العام الجاري. ولكن وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، وصل 42.653 مهاجراً غير شرعي إلى أوروبا عن طريق البحر حتى الآن من العام الحالي، مقارنة بـ172.301 مهاجر غير شرعي خلال عام 2017 بأكمله، مما يشير إلى نسبة انخفاض لا تتجاوز 50% فقط.
والخطة الإيطالية، رغم ذلك، تقدم بعض المقترحات المعقولة، وإن لم تكن بالضرورة مقترحات مثالية. فالموقف الراهن هو موقف خاطئ، كما تزعم الخطة. وهي تدعو إلى بناء «مراكز الحماية الدولية» في بلدان «المعبر» خارج أوروبا وذلك بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة.
ويريد كونتي أيضاً «فصل ميناء الوصول الآمن عن الدولة المسؤولة عن مراجعة طلبات اللجوء السياسي». ومن المعقول بالنسبة إلى إيطاليا، واليونان، وإسبانيا أن تقبل المهاجرين بدلاً من تعرضهم للغرق، ولكن لماذا ينبغي على ثلاثتهم تلقي كل طلبات اللجوء المقدَّمة؟
إن بناء «مراكز الحماية الدولية» يسهل قوله عن تنفيذه، إذ وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، هناك 1.3 مليون شخص في ليبيا وحدها ممن يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، ومئات الآلاف منهم إما مهاجرون وإما نازحون داخليون. وحتى أوروبا بكل ثرواتها تفتقر إلى الموارد الكافية لإنشاء مراكز الإيواء والمراجعة المناسبة والسريعة لهذا العدد. والإبقاء عليهم في المعسكرات والمخيمات مثل تلك الموجودة حالياً في ليبيا ليس بالخيار الإنساني بحال.
والجزء الداخلي من مقترحات رئيس الوزراء الإيطالي مثير أيضاً للمشكلات. فمن المعقول تماماًَ مطالبة الدول كافة بإنشاء مراكز استقبال اللاجئين، حيث يتم إرسال الناس من اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا. ومن المعقول كذلك مطالبة الدول بتحديد حصص منفصلة وخاصة بها للمهاجرين الاقتصاديين في حين يحدد الاتحاد الأوروبي حصص اللاجئين وفق حجم الدول المعنية وثرواتها. لكن من الناحية السياسية، رغم ذلك، فإن الموافقة على كل هذه الطلبات سوف يستلزم مناقشات مطولة لن تنتهي.
والمفوضية الأوروبية، التي أشرفت على تنظيم القمة المصغرة ليوم الأحد، توصي ببعض التغييرات في القواعد التي من شأنها خلق العقبات على طريق «سياحة اللجوء». وهذه تشمل السماح للدول بحجب مرافق الإقامة والمزايا المالية عن طالبي اللجوء السياسي المسجلين في أماكن أخرى، وفرض العقوبات على الأشخاص الذين يتحركون من مكان إلى آخر في أثناء النظر في طلبات اللجوء الخاصة بهم. ولقد صيغت اللوائح المعنية بتمكين هذه الشروط، وتمت الموافقة عليها بين مختلف الجهات الأوروبية المختصة، ومن المرجح أيضاً أن يتم اعتمادها بعد انتهاء أعمال القمة المصغرة. وقد تكون بعض الاتفاقيات الثنائية من قبيل الحلول المؤقتة لسد بعض الثغرات.
ومن شأن الأزمة الداخلية الألمانية أن تنفجر مع اقتراب ميعاد الانتخابات البافارية ومع الانتهاء منها كذلك. ولكن الإطار الأوروبي للهجرة سوف يبقى مزيجاً من التدابير المؤقتة غير الدائمة والصفقات غير المحددة المشكوك في أمرها مع الأنظمة الأفريقية الحاكمة لبعض الوقت في المستقبل المنظور. والخطة الرئيسية – والتي تستند من عدمه إلى مقترحات السيد كونتي – تتطلب بعض التفكير والتأمل الهادئ بأكثر من الممكن، على اعتبار التوترات السياسية القائمة بشأن قضية الهجرة في العديد من البلدان الأوروبية.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»